قَالُوا: وَدَخَلَ كُثَيِّرُ عَزَّةَ يَوْمًا عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ فَامْتَدَحَهُ بِقَصِيدَتِهِ الَّتِي يَقُولُ فِيهَا:
عَلَى ابْنِ أَبِي الْعَاصِي دُرُوعٌ حَصِينَةٌ ... أَجَادَ الْمُسَدِّي سَرْدَهَا وَأَذَالَهَا
قَالَ لَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ: أَفَلَا قُلْتَ كَمَا قَالَ الْأَعْشَى، لِقَيْسِ بْنِ مَعْدِ يَكْرِبَ:
وَإِذَا تَجِيءُ كَتِيبَةٌ مَلْمُومَةٌ ... شَهْبَاءُ يَخْشَى الذَّائِدُونَ نِهَالَهَا
كُنْتَ الْمُقَدَّمَ غَيْرَ لَابِسِ جُنَّةٍ ... بِالسَّيْفِ تَضْرِبُ مُعْلِمًا أَبْطَالَهَا
فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَصَفَهُ بِالْخُرْقِ وَوَصَفْتُكَ بِالْحَزْمِ.
وَدَخَلَ يَوْمًا عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ وَهُوَ يَتَجَهَّزُ لِلْخُرُوجِ إِلَى مُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيْرِ فَقَالَ: وَيْحَكَ يَا كُثَيِّرُ! ذَكَرْتُكَ الْآنَ بِشِعْرِكَ، فَإِنْ أَصَبْتَهُ أَعْطَيْتُكَ حُكْمَكَ. فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، كَأَنَّكَ لَمَّا وَدَّعْتَ عَاتِكَةَ بِنْتَ يَزِيدَ بَكَتْ لِفِرَاقِكَ، فَبَكَى لِبُكَائِهَا حَشَمُهَا فَذَكَرْتَ قَوْلِي:
إِذَا مَا أَرَادَ الْغَزْوَ لَمْ تَثْنِ عَزْمَهُ ... حَصَانٌ عَلَيْهَا نَظْمُ دُرٍّ يُزَيِّنُهَا
نَهَتْهُ فَلَمَّا لَمْ تَرَ النَّهْيَ عَاقَهُ ... بَكَتْ فَبَكَى مِمَّا عَرَّاهَا قَطِينُهَا
قَالَ: أَصَبْتَ فَاحْتَكِمْ. قَالَ: مِائَةُ نَاقَةٍ مِنْ نُوقِكَ الْمُخْتَارَةِ. قَالَ: هِيَ لَكَ.