الْفَارِسِيَّ فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، أَوِ الْجِزْيَةِ أَوِ الْمُقَاتَلَةِ، فَأَبَوْا إِلَّا الْمُقَاتَلَةَ وَالْعِصْيَانَ، وَنَصَبُوا الْمَجَانِيقَ وَالدَّبَّابَاتِ، وَأَمَرَ سَعْدٌ بِعَمَلِ الْمَجَانِيقِ، فَعُمِلَتْ عِشْرُونَ مَنْجَنِيقًا، وَنُصِبَتْ عَلَى بَهُرَسِيرَ، وَاشْتَدَّ الْحِصَارُ وَكَانَ أَهْلُ بَهُرَسِيرَ يَخْرُجُونَ فَيُقَاتِلُونَ قِتَالًا شَدِيدًا، وَيَحْلِفُونَ أَنْ لَا يَفِرُّوا أَبَدًا، فَأَكْذَبَهُمُ اللَّهُ، وَهَزَمَهُمْ زُهْرَةُ بْنُ حَوِيَّةَ بَعْدَ مَا أَصَابَهُ سَهْمٌ، وَقَتَلَ بَعْدَ مُصَابِهِ بِهِ كَثِيرًا مِنَ الْفُرْسِ، وَفَرُّوا بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلَجَئُوا إِلَى بَلَدِهِمْ، فَكَانُوا يُحَاصَرُونَ فِيهِ أَشَدَّ الْحِصَارِ، وَقَدِ انْحَصَرَ أَهْلُ الْبَلَدِ حَتَّى أَكَلُوا الْكِلَابَ وَالسَّنَانِيرَ. وَقَدْ أَشْرَفَ رَجُلٌ مِنْهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ: يَقُولُ لَكُمُ الْمَلِكُ: هَلْ لَكَمَ إِلَى الْمُصَالَحَةِ عَلَى أَنَّ لَنَا مَا يَلِينَا مَنْ دِجْلَةَ إِلَى جَبَلِنَا وَلَكُمْ مَا يَلِيكُمْ مِنْ دِجْلَةَ إِلَى جَبَلِكُمْ، أَمَا شَبِعْتُمْ! لَا أَشْبَعَ اللَّهُ بُطُونَكُمْ. قَالَ: فَبَدَرَ النَّاسَ رَجُلٌ، يُقَالُ لَهُ: أَبُو مُفَزِّرٍ الْأَسْوَدُ بْنُ قُطْبَةَ، فَأَنْطَقَهُ اللَّهُ بِكَلَامٍ لَمْ يَدْرِ مَا قَالَ لَهُمْ، قَالَ: فَرَجَعَ الرَّجُلُ وَرَأَيْنَاهُمْ يَقْطَعُونَ مِنْ بَهُرَسِيرَ إِلَى الْمَدَائِنِ. فَقَالَ النَّاسُ لِأَبِي مُفَزِّرٍ: مَا قُلْتَ لَهُمْ؟ فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ مَا أَدْرِي مَا قُلْتُ لَهُمْ، إِلَّا أَنَّ عَلَيَّ سَكِينَةً، وَأَنَا