وَلَمَّا نُكِبَ دَيْرُ الْحَنَابِلَةِ فِي ثَانِي جُمَادَى الْأُولَى قَتَلُوا خَلْقًا مِنَ الرِّجَالِ، وَسَبَوْا مِنَ النِّسَاءِ كَثِيرًا، وَنَالَ قَاضِي الْقُضَاةِ تَقِيَّ الدِّينِ مِنْهُمْ أَذًى كَثِيرٌ، يُقَالُ: إِنَّهُمْ قَتَلُوا مِنْ أَهْلِ الصَّالِحِيَّةِ قَرِيبًا مِنْ أَرْبَعِمِائَةٍ، وَأَسَرُوا نَحْوًا مِنْ أَرْبَعَةِ آلَافِ أَسِيرٍ، وَنُهِبَتْ كُتُبٌ كَثِيرَةٌ مِنَ الرِّبَاطِ النَّاصِرِيِّ وَالضِّيَائِيَّةِ، وَخِزَانَةِ ابْنِ الْبُزُورِيِّ، فَكَانَتْ تُبَاعُ وَهِيَ مَكْتُوبٌ عَلَيْهَا الْوَقْفِيَّةُ، وَفَعَلُوا بِالْمِزَّةِ مِثْلَ مَا فَعَلُوا بِالصَّالِحِيَّةِ، وَكَذَلِكَ بِدَارَيَّا وَغَيْرِهَا، وَتَحَصَّنَ النَّاسُ مِنْهُمْ فِي الْجَامِعِ بِدَارَيَّا، فَفَتَحُوهُ قَسْرًا، وَقَتَلُوا مِنْهُمْ خَلْقًا، وَسَبَوْا نِسَاءَهُمْ وَأَوْلَادَهُمْ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.
وَخَرَجَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ابْنُ تَيْمِيَةَ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ يَوْمَ الْخَمِيسِ الْعِشْرِينَ مِنْ رَبِيعٍ الْآخِرِ إِلَى مَلِكِ التَّتَارِ، وَعَادَ بَعْدَ يَوْمَيْنِ، وَلَمْ يَتَّفِقِ اجْتِمَاعُهُ بِقَازَانَ، حَجَبَهُ عَنْهُ الْوَزِيرُ سَعْدُ الدِّينِ وَالرَّشِيدُ مُشِيرُ الدَّوْلَةِ الْمَسْلَمَانِيُّ بْنُ يَهُودَى، وَالْتَزَمَا لَهُ بِقَضَاءِ الشُّغْلِ، وَذَكَرَا لَهُ أَنَّ التَّتَارَ لَمْ يَحْصُلْ لِكَثِيرٍ مِنْهُمْ شَيْءٌ إِلَى الْآنِ، وَلَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ شَيْءٍ.
وَاشْتُهِرَ بِالْبَلَدِ أَنَّ التَّتَرَ يُرِيدُونَ دُخُولَ دِمَشْقَ، فَانْزَعَجَ النَّاسُ لِذَلِكَ، وَخَافُوا خَوْفًا شَدِيدًا، وَأَرَادُوا الْخُرُوجَ مِنْهَا وَالْهَرَبَ، وَأَيْنَ؟ وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ! وَقَدْ أُخِذَ مِنَ الْبَلَدِ فَوْقُ الْعَشَرَةِ آلَافِ فَرَسٍ، ثُمَّ فُرِضَتْ أَمْوَالٌ كَثِيرَةٌ عَلَى الْبَلَدِ مُوَزَّعَةً عَلَى أَهْلِ الْأَسْوَاقِ، كُلُّ سُوقٍ بِحَسْبِهِ مِنَ الْمَالِ، فَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا