وَعَمِلَ فِيهِ سَيْفُ الدِّينِ أَبُو الْعَبَّاسِ السَّامَرِّيُّ قَصِيدَةً يَتَشَفَّى فِيهَا لِمَا كَانَ أَسَدَى إِلَيْهِ مِنَ الظُّلْمِ وَالْإِيذَاءِ، مَعَ أَنَّهُ رَاحَ إِلَيْهِ، وَتَغَمَّمَ لَهُ وَتَمَازَحَا هُنَالِكَ، ثُمَّ جَاءَ الْبَرِيدُ بِطَلَبِهِ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، فَخَافَ النُّوَّابُ مِنْ ذَهَابِهِ إِلَيْهَا وَفُضُولِهِ وَشَرِّهِ، فَأَصْبَحَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثَالِثَ شَعْبَانَ وَهُوَ مَشْنُوقٌ بِالْمَدْرَسَةِ الْعَذْرَاوِيَّةِ، فَطُلِبَتِ الْقُضَاةُ وَالشُّهُودُ، فَشَاهَدُوهُ كَذَلِكَ، ثُمَّ جُهِّزَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ، وَدُفِنَ بِمَقَابِرِ الصُّوفِيَّةِ عِنْدَ أَبِيهِ، وَكَانَ مُدَرِّسًا بالرَّوَاحِيَّةِ وَتُرْبَةِ أُمِّ الصَّالِحِ مَعَ الْوِكَالَتَيْنِ وَالنَّظَرِ.
وَجَاءَ الْبَرِيدُ بِعَمَلِ مَجَانِيقَ لِحِصَارِ عَكَّا، فَرَكِبَ الْأَعْسَرُ إِلَى أَرَاضِي بَعْلَبَكَّ لِمَا هُنَالِكَ مِنَ الْأَخْشَابِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي لَا يُوجَدُ مِثْلُهَا بِدِمَشْقَ، وَهِيَ تَصْلُحُ لِذَلِكَ، فَكَثُرَتِ الْجِنَايَاتُ وَالْجِبَايَاتُ وَالسُّخْرُ، وَكَلَّفُوا النَّاسَ تَكْلِيفًا كَثِيرًا، وَأَخَذُوا أَخْشَابَ النَّاسِ، وَحُمِلَتْ إِلَى دِمَشْقَ بِكُلْفَةٍ عَظِيمَةٍ وَشِدَّةٍ كَثِيرَةٍ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.
وَفَاةُ الْمَلَكِ الْمَنْصُورِ قَلَاوُونَ
بَيْنَمَا النَّاسُ فِي هَذَا الْهَمِّ وَالْمُصَادَرَاتِ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ إِذْ وَرَدَتْ بَرِيدِيَّةٌ، فَأُخْبِرُوا بِوَفَاةِ الْمَلَكِ الْمَنْصُورِ يَوْمَ السَّبْتِ سَادِسِ ذِي الْقَعْدَةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، بِالْمُخَيَّمِ ظَاهِرَ الْقَاهِرَةِ، ثُمَّ حُمِلَ إِلَى قَلْعَةِ الْجَبَلِ لَيْلًا، وَجَلَسَ بَعْدَهُ وَلَدُهُ الْمَلِكُ الْأَشْرَفُ خَلِيلٌ بِوِلَايَةِ الْعَهْدِ لَهُ، وَحَلَفَ لَهُ جَمِيعُ الْأُمَرَاءِ، وَخُطِبَ لَهُ عَلَى الْمَنَابِرِ، وَرَكِبَ فِي أُبَّهَةِ الْمَلِكِ، وَالْعَسْكَرُ كُلُّهُمْ فِي خِدْمَتِهِ مُشَاةً مِنْ قَلْعَةِ الْجَبَلِ إِلَى الْمَيْدَانِ الْأَسْوَدِ الَّذِي هُوَ سُوقُ الْخَيْلِ، وَعَلَى الْأُمَرَاءِ وَالْمُقْدِمِينَ الْخِلَعُ وَعَلَى الْقُضَاةِ وَالْأَعْيَانِ، وَلَمَّا جَاءَتِ الْأَخْبَارُ بِذَلِكَ حَلَفَ