فَلَامَهُ بَعْضُ الْأُمَرَاءِ وَقَالَ: يَا خُونْدُ، لِمَ لَا رَكِبْتَ فَرَسَ فُلَانٍ؟ فَلَوْ كَانَ رَآكَ بَعْضُ الْأَعْدَاءِ لَقَتَلَكَ وَهَلَكَ الْإِسْلَامُ بِسَبَبِكَ. فَقَالَ: أَمَّا أَنَا فَكُنْتُ أَرُوحُ إِلَى الْجَنَّةِ، وَأَمَّا الْإِسْلَامُ فَلَهُ رَبٌّ لَا يُضَيِّعُهُ، قَدْ قُتِلَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ - وَعَدَّدَ خَلْقًا مِنَ الْمُلُوكِ - فَلَمْ يُضَيِّعِ اللَّهُ الْإِسْلَامَ.

وَكَانَ حِينَ سَاقَ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ فِي خِدْمَتِهِ خَلْقٌ مِنْ كِبَارِ الْأُمَرَاءِ الْبَحْرِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ، وَمَعَهُ الْمَنْصُورُ صَاحِبُ حَمَاةَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَبْنَاءِ الْمُلُوكِ، فَأَرْسَلَ إِلَى صَاحِبِ حَمَاةَ يَقُولُ لَهُ: لَا تَتَعَنَّ بِمَدِّ سِمَاطٍ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ، وَلْيَكُنْ مَعَ الْجُنْدِيِّ لَحْمَةٌ فِي سَوْلَقِهِ يَأْكُلُهَا، وَالْعَجَلَ الْعَجَلَ.

وَكَانَ اجْتِمَاعُهُ مَعَ عَدُوِّهِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَهَذِهِ بِشَارَةٌ عَظِيمَةٌ، فَإِنَّ وَقْعَةَ بَدْرٍ كَانَتْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي رَمَضَانَ، وَلِهَذَا نُصِرَ الْإِسْلَامُ نَصْرًا عَزِيزًا، وَلَمَّا قَدِمَ دِمَشْقَ فِي شَوَّالٍ أَقَامَ بِهَا الْعَدْلَ، وَرَتَّبَ الْأُمُورَ كَمَا ذَكَرْنَا، وَأَرْسَلَ الْأَمِيرَ رُكْنَ الدِّينِ بِيبَرْسَ الْبُنْدُقْدَارِيَّ خَلْفَ التَّتَارِ لِيُخْرِجَهُمْ وَيَطْرُدَهُمْ عَنْ حَلْبَ وَوَعْدَهُ بِنِيَابَتِهَا، فَلَمْ يَفِ لَهُ، فَوَقَعَتِ الْوَحْشَةُ بَيْنَهُمَا بِسَبَبِ ذَلِكَ، فَلَمَّا عَادَ الْمُظَفَّرُ قُطُزُ إِلَى مِصْرَ تَمَالَأَ عَلَيْهِ الْبُنْدُقْدَارِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْأُمَرَاءِ فَقَتَلُوهُ بَيْنَ الْغُرَابِيِّ وَالصَّالِحِيَّةِ، وَدُفِنَ بِالْقَصْرِ، وَكَانَ قَبْرُهُ يُزَارُ، فَلَمَّا تَمَكَّنَ الظَّاهِرُ مِنِ الْمُلْكِ بَعَثَ إِلَى قَبْرِهِ فَغَيَّبَهُ عَنِ النَّاسِ، فَكَانَ لَا يُعْرَفُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَكَانَ مَقْتَلُهُ يَوْمَ السَّبْتِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015