فِي هَذِهِ السَّنَةِ كَانَتِ الْفِرِنْجُ قَدْ جَمَعُوا خَلْقًا كَثِيرًا مِنْهُمْ لِيَسْتَعِيدُوا بَيْتَ الْمَقْدِسِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ - فِيمَا كَانُوا زَاعِمِينَ - فَأَشْغَلَهُمُ اللَّهُ بِقِتَالِ الرُّومِ ; وَذَلِكَ لِأَنَّهُمُ اجْتَازُوا فِي طَرِيقِهِمْ بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ، فَوَجَدُوا مُلُوكَهَا قَدِ اخْتَلَفُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ، فَحَاصَرُوهَا حَتَّى فَتَحُوهَا قَسْرًا، وَأَبَاحُوهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ قَتْلًا وَأَسْرًا، وَاحْتَرَقَ أَكْثَرُ مِنْ رُبْعِهَا، وَمَا أَصْبَحَ أَحَدٌ مِنَ الرُّومِ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ إِلَّا قَتِيلًا أَوْ فَقِيرًا أَوْ مَكْبُولًا أَوْ أَسِيرًا، وَلَجَأَ عَامَّةُ مَنْ بَقِيَ مِنْهَا إِلَى كَنِيسَتِهَا الْعُظْمَى الْمُسَمَّاةِ بِصُوفِيَا، فَقَصَدَهَا الْفِرِنْجُ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمُ الْقِسِّيسُونَ بِالْأَنَاجِيلِ ; لِيَتَوَسَّلُوا إِلَيْهِمْ وَيَتْلُوا عَلَيْهِمْ، فَمَا الْتَفَتُوا إِلَى شَيْءٍ مِمَّا وَاجَهُوهُمْ بِهِ، بَلْ قَتَلُوهُمْ أَجْمَعِينَ أَكْتَعِينَ أَبْصَعِينَ، وَأَخَذُوا مَا كَانَ فِي الْكَنِيسَةِ مِنَ الْحُلِيِّ وَالْأَذْهَابِ وَالْأَمْوَالِ الَّتِي لَا تُحْصَى وَلَا تُعَدُّ، وَأَخَذُوا مَا كَانَ عَلَى الصُّلْبَانِ وَالْحِيطَانِ؛ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الرَّحِيمِ الرَّحْمَنِ، الَّذِي مَا شَاءَ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ.
ثُمَّ اقْتَرَعَ مُلُوكُ الْفِرِنْجِ وَكَانُوا ثَلَاثَةً ; وَهُمْ دُوقَسُ الْبَنَادِقَةِ، وَكَانَ شَيْخًا أَعْمَى تُقَادُ فَرَسُهُ، وَمَرْكِيسُ الْإِفْرَنْسِيسُ، وَكَنَدُ أَفْلِنَدُ، وَكَانَ أَكْثَرَهُمْ عَدَدًا وَعُدَدًا، فَخَرَجَتِ الْقُرْعَةُ لَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَوَلَّوْهُ مُلْكَ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ