وَكَتَبَ إِلَيْهِمُ الْقَاضِي الْفَاضِلُ عَلَى لِسَانِ السُّلْطَانِ كِتَابًا بَلِيغًا فَصِيحًا رَائِقًا فَائِقًا عَلَى يَدَيِ الْخَطِيبِ شَمْسِ الدِّينِ يَقُولُ فِيهِ: فَإِذَا قَضَى التَّسْلِيمُ حَقَّ اللِّقَاءِ، وَاسْتَدْعَى الْإِخْلَاصُ جُهْدَ الدُّعَاءِ فَلْيَعُدْ وَلِيُعَدَّ حَوَادِثَ مَا كَانَتْ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَجَوَارِيَ أُمُورٍ إِنْ قَالَ فِيهَا كَثِيرًا، فَأَكْثَرُ مِنْهُ مَا قَدْ جَرَى، وَلْيَشْرَحْ صَدْرًا مِنْهَا لَعَلَّهُ يَشْرَحُ مِنَّا صَدْرًا، وَلْيُوَضِّحِ الْأَحْوَالَ الْمُسْتَسِرَّةَ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُعْبَدُ سِرًّا:
وَمِنَ الْغَرَائِبِ أَنْ تَسِيرَ غَرَائِبٌ ... فِي الْأَرْضِ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا الْمَأْمُولُ
كَالْعِيسِ أَقْتَلُ مَا يَكُونُ لَهَا الصَّدَى ... وَالْمَاءُ فَوْقَ ظُهُورِهَا مَحْمُولُ
فَإِنَّا كُنَّا نَقْتَبِسُ النَّارَ بِأَكُفِّنَا وَغَيْرُنَا يَسْتَنِيرُ، وَنَسْتَنْبِطُ الْمَاءَ بِأَيْدِينَا وَسِوَانَا يَسْتَمِيرُ، وَنَلْقَى السِّهَامَ بِنُحُورِنَا وَغَيْرُنَا يَعْتَمِدُ التَّصْوِيرَ، وَنُصَافِحُ الصُّفَّاحَ بِصُدُورِنَا وَغَيْرُنَا يَدَّعِي التَّصْدِيرَ، وَلَابُدَّ أَنْ نَسْتَرِدَّ بِضَاعَتَنَا بِمَوْقِفِ الْعَدْلِ الَّذِي تُرَدُّ بِهِ الْغُصُوبُ، وَتَظْهَرَ طَاعَتُنَا فَنَأْخُذَ بِحَظِّ الْأَلْسُنِ كَمَا أَخَذْنَا بِحَظِّ الْقُلُوبِ، وَكَانَ أَوَّلَ أَمْرِنَا أَنَّا كُنَّا فِي الشَّامِ نَفْتَحُ الْفُتُوحَ مُبَاشِرِينَ بِأَنْفُسِنَا، وَنُجَاهِدُ الْكَفَّارَ مُتَقَدِّمِينَ بِعَسَاكِرِنَا، نَحْنُ وَوَالِدُنَا وَعَمُّنَا، فَأَيُّ مَدِينَةٍ فُتِحَتْ أَوْ مَعْقِلٍ مُلِكَ أَوْ عَسْكَرٍ لِلْعَدُوِّ كُسِرَ أَوْ مَصَافٍّ لِلْإِسْلَامِ مَعَهُ ضُرِبَ وَلَمْ نَكُنْ فِيهِ؟ فَمَا يَجْهَلُ أَحَدٌ صُنْعَنَا، وَلَا يَجْحَدُ عَدُوُّنَا أَنَّا نَصْطَلِي الْجَمْرَةَ وَنَمْلِكُ الْكَرَّةَ، وَنَتَقَدَّمُ الْجَمَاعَةَ