الشَّرِيفِ الطَّاهِرِ أَبِي الْمَكَارِمِ حَمْزَةَ بْنِ زَهْرَةَ الْحُسَيْنِيِّ فَأُجِيبُوا إِلَى ذَلِكَ كُلِّهِ فَأُذِّنَ فِي الْجَامِعِ وَغَيْرِهِ بِسَائِرِ الْبَلَدِ بِ حَيِّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ، وَعَجَزَ أَهْلُ الْبَلَدِ عَنْ مُقَاوَمَةِ النَّاصِرِ، وَأَعْمَلُوا فِي مَكِيدَتِهِ كُلَّ خَاطِرٍ فَأَرْسَلُوا أَوَّلًا إِلَى سِنَانٍ صَاحِبِ الْحُشَيْشِيَّةِ فَأَرْسَلَ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَى النَّاصِرِ ; لِيَقْتُلُوهُ فَلَمْ يَظْفَرُوا مِنْهُ بِشَيْءٍ، بَلْ قَتَلُوا بَعْضَ الْأُمَرَاءِ، ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ فَقُتِلُوا عَنْ آخِرِهِمْ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ، فَرَاسَلُوا عِنْدَ ذَلِكَ الْقُومَصَ صَاحِبَ طَرَابُلُسَ الْفِرِنْجيَّ، وَوَعَدُوهُ بِأَمْوَالٍ جَزِيلَةٍ إِنْ هُوَ رَحَّلَ عَنْهُمُ السُّلْطَانَ الْمَلِكَ النَّاصِرَ، وَكَانَ هَذَا الْقُومَصُ قَدْ أَسَرَهُ نُورُ الدِّينِ وَهُوَ مُعْتَقَلٌ عِنْدَهُ مُدَّةَ عَشْرِ سِنِينَ، ثُمَّ افْتَدَى نَفْسَهُ بِمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ وَأَلْفِ أَسِيرٍ مِنْ أُسَارَى الْمُسْلِمِينَ، فَكَانَ لَا يَنْسَاهَا لِنُورِ الدِّينِ رَحِمهُ اللَّهُ، فَرَكِبَ الْقُومَصُ - لَعَنَهُ اللَّهُ - مِنْ بَلَدِهِ طَرَابُلُسَ فِي جَيْشِهِ، فَلَمْ يَتَجَاسَرْ عَلَى مُقَاتَلَةِ السُّلْطَانِ، بَلْ قَصَدَ حِمْصَ لِيَأْخُذَهَا بَغْتَةً، فَرَكِبَ إِلَيْهِ السُّلْطَانُ النَّاصِرُ، وَقَدْ أَرْسَلَ سَرِيَّةً إِلَى بَلَدِهِ فَقَتَلُوا مِنْهَا وَأَسَرُوا وَغَنِمُوا، فَلَمَّا اقْتَرَبَ السُّلْطَانُ مِنْهُ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَكَرَّ رَاجِعًا إِلَى بَلَدِهِ، وَرَأَى أَنَّهُ قَدْ أَجَابَهُمْ إِلَى مَا أَرَادُوا مِنْهُ، فَلَمَّا رَجَعَ صَلَاحُ الدِّينِ إِلَى حِمْصَ لَمْ يَكُنْ قَدْ أَخَذَ قَلْعَتَهَا فِي ذَهَابِهِ فَتَصَدَّى لِأَخْذِهَا فَنَصَبَ عَلَيْهَا الْمَنْجَنِيقَاتِ الَّتِي مَلَّكَتْهُ إِيَّاهَا قَسْرًا، وَقَهَرَتْ سَاكِنِيهَا قَهْرًا، ثُمَّ كَرَّ رَاجِعًا إِلَى حَلَبَ فَأَنَالَهُ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْكَرَّةِ مَا طَلَبَ.