الْمَصَالِحِ فَرَتَّبَ عَلَيْهِ لِذَوِي الْحَاجَاتِ وَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْأَرَامِلِ وَالْأَيْتَامِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَشَاكَلَهُ.
وَقَدْ كَانَ الْمَلِكُ نُورُ الدِّينِ حَسَنَ الْخَطِّ كَثِيرَ الْمُطَالَعَةِ لِلْكُتُبِ الدِّينِيَّةِ، مُتَّبِعًا لِلْآثَارِ النَّبَوِيَّةِ، مُحَافِظًا عَلَى الصَّلَوَاتِ فِي الْجَمَاعَاتِ، كَثِيرَ التِّلَاوَةِ مُحِبًّا لِفِعْلِ الْخَيْرَاتِ، عَفِيفَ الْبَطْنِ وَالْفَرْجِ، مُقْتَصِدًا فِي الْإِنْفَاقِ عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَعِيَالِهِ فِي الْمَطْعَمِ وَالْمَلْبَسِ، وَلَمْ تُسْمَعْ مِنْهُ كَلِمَةُ فُحْشٍ قَطُّ فِي غَضَبٍ وَلَا رِضًا.
قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: لَمْ يَكُنْ فِي مُلُوكِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِثْلُ الْمَلِكِ نُورِ الدِّينِ وَلَا أَكْثَرُ تَحَرِّيًا لِلْعَدْلِ وَالْإِنْصَافِ مِنْهُ، كَانَ قَدِ اسْتَفْتَى الْعُلَمَاءَ فِي مِقْدَارٍ يَحِلُّ لَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَكَانَ يَتَنَاوَلُهُ لَا يَزِيدُ عَلَيْهِ. وَكَانَتْ لَهُ دَكَاكِينُ بِحِمْصَ قَدِ اشْتَرَاهَا مِمَّا يَخُصُّهُ مِنَ الْمَغَانِمِ، فَزَادَ كِرَاءَهَا لِامْرَأَتِهِ عَلَى نَفَقَتِهَا حِينَ اسْتَقَلَّتْهَا عَلَيْهَا.
وَكَانَ يُكْثِرُ اللَّعِبَ بِالْكُرَةِ، فَعَاتَبَهُ بَعْضُ الصَّالِحِينَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: إِنَّمَا أُرِيدُ تَمْرِينَ الْخَيْلِ وَتَعْلِيمَهَا الْكَرَّ وَالْفَرَّ. وَكَانَ لَا يَلْبَسُ الْحَرِيرَ، وَيَأْكُلُ مِنْ كَسْبِ يَدِهِ رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَرَكِبَ يَوْمًا مَعَ بَعْضِ أَصْحَابِهِ وَالشَّمْسُ فِي ظُهُورِهِمَا، وَظِلُّهَا بَيْنَ أَيْدِيهِمَا لَا يُدْرِكَانِهِ، ثُمَّ رَجَعَا فَصَارَ الظِّلُّ وَرَاءَهُمْ، فَسَاقَ الْمَلِكُ نُورُ الدِّينِ وَجَعَلَ يَلْتَفِتُ وَظَلُّهُ يَتْبَعُهُ، ثُمَّ قَالَ لِصَاحِبِهِ: قَدْ شَبَّهْتُ مَا نَحْنُ فِيهِ بِالدُّنْيَا، تَهْرُبُ مِمَّنْ