هم فيه، فَأَنَا أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مُنْذُ ثَلَاثِينَ سَنَةً. رَوَاهَا الخطيب عنه. وقال: صَلَّيْتُ وِرْدِي ذَاتَ لَيْلَةٍ ثُمَّ مَدَدْتُ رِجْلِي في المحراب فنوديت: يا سرى هكذا تجالس الملوك؟ قال فضممت رجلي وقلت:
وَعِزَّتِكَ لَا مَدَدْتُ رِجْلِي أَبَدًا. وَقَالَ الْجُنَيْدُ: ما رأيت أعبد من سرى السَّقَطِيِّ. أَتَتْ عَلَيْهِ ثَمَانٍ وَتِسْعُونَ سَنَةً مَا رئي مضطجعا إلا في علة الموت. وروى الْخَطِيبُ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ عَنْ جَعْفَرٍ الْخُلْدِيِّ عن الجنيد قَالَ: دَخَلْتُ عَلَيْهِ أَعُودُهُ فَقُلْتُ: كَيْفَ تَجِدُكَ؟ فَقَالَ:
كَيْفَ أَشْكُو إِلَى طَبِيبِي مَا بِي ... والّذي أصابنى من طبيبي
قال: فأخذت المروحة لأروح عليه فقال: كَيْفَ يَجِدُ رَوْحَ الْمِرْوَحَةِ مَنْ جَوْفُهُ يَحْتَرِقُ مِنْ دَاخِلٍ؟ ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ:
الْقَلْبُ مُحْتَرِقٌ وَالدَّمْعُ مُسْتَبِقٌ ... وَالْكَرْبُ مُجْتَمِعٌ وَالصَّبْرُ مُفْتَرِقُ
كَيْفَ الْقَرَارُ عَلَى مَنْ لَا قَرَارَ لَهُ ... مِمَّا جَنَاهُ الْهَوَى وَالشَّوْقُ وَالْقَلَقُ
يَا رَبِّ إِنْ كان شيء لي به فَرَجٌ ... فَامْنُنْ عَلَيَّ بِهِ مَا دَامَ بِي رمق
قال فقلت لَهُ: أَوْصِنِي، قَالَ: لَا تَصْحَبِ الْأَشْرَارَ، وَلَا تشتغل عن الله بمجالسة الأبرار الْأَخْيَارِ.
وَقَدْ ذَكَرَ الْخَطِيبُ وَفَاتَهُ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ لِسِتٍّ خَلَوْنَ مِنْ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ بَعْدَ أَذَانِ الْفَجْرِ، وَدُفِنَ بَعْدَ الْعَصْرِ بمقبرة الشوينزى، وَقَبْرُهُ ظَاهِرٌ مَعْرُوفٌ، وَإِلَى جَنْبِهِ قَبْرُ الْجُنَيْدِ.
وروى عن أبى عبيدة بن حريوبة قَالَ: رَأَيْتُ سَرِيًّا فِي الْمَنَامِ فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ اللَّهُ بِكَ؟ فَقَالَ غَفَرَ لِي وَلِكُلِّ مَنْ شَهِدَ جِنَازَتِي. قُلْتُ: فَإِنِّي مِمَّنْ حَضَرَ جِنَازَتَكَ وَصَلَّى عَلَيْكَ. قَالَ: فَأَخْرَجَ دُرْجًا فَنَظَرَ فِيهِ فَلَمْ يَرَ فِيهِ اسْمِي، فَقُلْتُ: بَلَى! قَدْ حَضَرْتُ فَإِذَا اسْمِي فِي الْحَاشِيَةِ. وَحَكَى ابْنُ خِلِّكَانَ قَوْلًا أَنَّ سَرِيًّا تُوَفِّي سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِينَ، وَقِيلَ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِينَ فاللَّه أعلم. قال ابن خلكان: وكان السري ينشد كثيرا:
ولما ادعيت الْحُبَّ قَالَتْ كَذَبْتَنِي ... فَمَا لِي أَرَى الْأَعْضَاءَ مِنْكَ كَوَاسِيَا
فَلَا حُبَّ حَتَى يَلْصَقَ الْجِلْدُ بالحشى ... وتذهل حتى لا تجيب المناديا
فِيهَا أَمَرَ الْخَلِيفَةُ الْمُعْتَزُّ بِقَتْلِ بُغَا الشَّرَابِيِّ وَنَصَبَ رأسه بسامراء ثُمَّ بِبَغْدَادَ وَحُرِّقَتْ جُثَّتُهُ وَأُخِذَتْ أَمْوَالُهُ وَحَوَاصِلُهُ. وفيها ولى الخليفة أَحْمَدُ بْنُ طُولُونَ الدِّيَارَ الْمِصْرِيَّةَ، وَهُوَ بَانِي الْجَامِعِ الْمَشْهُورِ بِهَا.
وَحَجَّ بِالنَّاسِ فِيهَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ محمد.
زياد بن أيوب الحسيانى. وعلى بن محمد بن موسى الرضى، يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ لِأَرْبَعٍ بَقِينَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ بِبَغْدَادَ. وَصَلَّى عَلَيْهِ أَبُو أَحْمَدَ الْمُتَوَكِّلُ فِي الشَّارِعِ الْمَنْسُوبِ إِلَى أَبِي أَحْمَدَ. وَدُفِنَ بِدَارِهِ ببغداد.
ومحمد بن عبد الله المخرمي. وموهل بن إهاب.