بِهِمَا إِلَى يُوسُفَ بْنِ عُمَرَ نَائِبِ الْعِرَاقِ فَبَعَثَهُمَا إِلَيْهِ. فَمَا زَالَ يُعَذِّبُهُمَا حَتَّى مَاتَا وَأَخَذَ مِنْهُمَا أَمْوَالًا كَثِيرَةً.
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ ولى يوسف بن محمد بن يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيَّ قَضَاءَ الْمَدِينَةِ، وَفِيهَا بعث الوليد بن يزيد إلى أهل قبرص جَيْشًا مَعَ أَخِيهِ وَقَالَ: خَيِّرْهُمْ فَمَنْ شَاءَ أَنْ يَتَحَوَّلَ إِلَى الشَّامِ، وَمَنْ شَاءَ أَنْ يَتَحَوَّلَ إِلَى الرُّومِ، فَكَانَ مِنْهُمْ مَنِ اخْتَارَ جِوَارَ الْمُسْلِمِينَ بِالشَّامِ، وَمِنْهُمْ مَنِ انْتَقَلَ إِلَى بِلَادِ الرُّومِ.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَفِيهَا قَدِمَ سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ وَمَالِكُ بْنُ الْهَيْثَمِ وَلَاهِزُ بن قريظ وقحطبة بن شبيب فلقوا- في قول بعض أَهْلِ السِّيَرِ- مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ فَأَخْبَرُوهُ بِقِصَّةِ أبى مسلم فقال: أحر هو أم لا؟ فَقَالُوا:
أَمَّا هُوَ فَيَزْعُمُ أَنَّهُ حُرٌّ، وَأَمَّا مولاه فيزعم أنه عبده، فَاشْتَرَوْهُ فَأَعْتَقُوهُ، وَدَفَعُوا إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ مِائَتَيْ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَكُسْوَةً بِثَلَاثِينَ أَلْفًا، وَقَالَ لَهُمْ: لَعَلَّكُمْ لَا تَلْقَوْنِي بَعْدَ عَامِكُمْ هَذَا، فَإِنْ مُتُّ فَإِنَّ صَاحِبَكُمْ إِبْرَاهِيمَ بْنَ مُحَمَّدٍ- يَعْنِي ابْنَهُ- فَإِنَّهُ ابْنِي، فَأُوصِيكُمْ بِهِ. وَمَاتَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ فِي مُسْتَهَلِّ ذِي الْقِعْدَةِ في هذه السنة بعد أبيه بسبع سنين. وفيها قتل يحيى بن زيد بْنِ عَلِيٍّ بِخُرَاسَانَ. وَحَجَّ بِالنَّاسِ فِيهَا يُوسُفُ ابن مُحَمَّدٍ الثَّقَفِيُّ أَمِيرُ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَالطَّائِفِ. وَأَمِيرُ الْعِرَاقِ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ، وَأَمِيرُ خُرَاسَانَ نَصْرُ بْنُ سَيَّارٍ، وَهُوَ فِي هِمَّةِ الْوُفُودِ إِلَى الْوَلِيدِ بْنِ يَزِيدَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا مَعَهُ مِنَ الْهَدَايَا وَالتُّحَفِ، فَقُتِلَ الْوَلِيدُ قَبْلَ أَنْ يجتمع به. وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ:
ابن عبد الله بن عباس أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَدَنِيُّ، وَهُوَ أَبُو السَّفَّاحِ وَالْمَنْصُورِ، رَوَى عَنْ أَبِيهِ وَجَدِّهِ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَجَمَاعَةٍ، وَحَدَّثَ عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ ابْنَاهُ الْخَلِيفَتَانِ، أَبُو الْعَبَّاسِ عَبْدُ اللَّهِ السَّفَّاحُ، وَأَبُو جَعْفَرٍ عَبْدُ اللَّهِ الْمَنْصُورُ، وَقَدْ كَانَ عَبْدُ الله بن محمد بن الْحَنَفِيَّةِ أَوْصَى إِلَيْهِ بِالْأَمْرِ مِنْ بَعْدِهِ، وَكَانَ عِنْدَهُ عِلْمٌ بِالْأَخْبَارِ، فَبَشَّرَهُ بِأَنَّ الْخِلَافَةَ سَتَكُونُ في ولدك، فَدَعَا إِلَى نَفْسِهِ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَثَمَانِينَ، وَلَمْ يَزَلْ أَمْرُهُ يَتَزَايَدُ حَتَّى تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَقِيلَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا، وَقِيلَ فِي الَّتِي بَعْدَهَا، عَنْ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً، وَكَانَ مَنْ أَحْسَنِ النَّاسِ شَكْلًا، فَأَوْصَى بِالْأَمْرِ مِنْ بَعْدِهِ لِوَلَدِهِ إِبْرَاهِيمَ، فَمَا أُبْرِمَ الْأَمْرُ إِلَّا لِوَلَدِهِ السَّفَّاحُ، فَاسْتَلَبَ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ الْأَمْرَ فِي سَنَةِ ثِنْتَيْنِ وَثَلَاثِينَ كَمَا سَيَأْتِي.
ابن عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَإِنَّهُ لَمَّا قُتِلَ أَبُوهُ زَيْدٌ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ، لَمْ يَزَلْ يَحْيَى مُخْتَفِيًا فِي خُرَاسَانَ عِنْدَ الْحَرِيشِ بْنِ عَمْرِو بن داود ببلخ، حتى مات هشام، فَكَتَبَ عِنْدَ ذَلِكَ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ إِلَى نَصْرِ بْنِ سَيَّارٍ يُخْبِرُهُ بِأَمْرِ يَحْيَى بْنِ زَيْدٍ، فَكَتَبَ نَصْرُ بْنُ سَيَّارٍ إِلَى نَائِبِ بلخ مع عَقِيلِ بْنِ مَعْقِلِ الْعِجْلِيِّ، فَأَحْضَرَ الْحَرِيشَ فَعَاقَبَهُ سِتَّمِائَةِ سَوْطٍ فَلَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ، وَجَاءَ وَلَدُ الْحَرِيشِ فَدَلَّهُمْ عَلَيْهِ فَحُبِسَ، فَكَتَبَ نَصْرُ بْنُ سَيَّارٍ إِلَى يُوسُفَ بِذَلِكَ، فَبَعَثَ إِلَى الْوَلِيدِ بن يزيد