قَوْمًا يَجْتَمِعُونَ لِحَرْبٍ وَلَا أَحْضُرُهُمْ، ثُمَّ أَشَارَ أَنْ يَتَجَزَّأَ الْجَيْشُ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ، فَيَسِيرُ ثُلْثُهُ فَيَنْزِلُونَ تُجَاهَ الرُّومِ، ثُمَّ تَسِيرُ الْأَثْقَالُ وَالذَّرَارِيُّ فِي الثُّلْثِ الْآخَرِ، وَيَتَأَخَّرُ خَالِدٌ بِالثُّلْثِ الْآخِرِ حَتَّى إِذَا وَصَلَتِ الْأَثْقَالُ إِلَى أُولَئِكَ سَارَ بَعَدَهُمْ وَنَزَلُوا فِي مَكَانٍ تَكُونُ الْبَرِّيَّةُ مِنْ وراء ظهورهم لتصل إِلَيْهِمُ الْبُرُدُ وَالْمَدَدُ. فَامْتَثَلُوا مَا أَشَارَ بِهِ وَنِعْمَ الرَّأْيُ هُوَ.
وَذَكَرَ الْوَلِيدُ عَنْ صَفْوَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ الرُّومَ نَزَلُوا فِيمَا بَيْنَ دَيْرِ أَيُّوبَ وَالْيَرْمُوكَ، وَنَزَلَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ وَرَاءِ النَّهْرِ مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ، وَأَذْرِعَاتُ خَلْفَهُمْ لِيَصِلَ إِلَيْهِمُ الْمَدَدُ مِنَ الْمَدِينَةِ.
ويقال إن خالدا إنما قدم عليهم بعد ما نزل الصحابة تجاه الروم بعد ما صَابَرُوهُمْ وَحَاصَرُوهُمْ شَهْرَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ بِكَمَالِهِ، فَلَمَّا انْسَلَخَ وَأَمْكَنَ الْقِتَالُ [1] لِقِلَّةِ الْمَاءِ بَعَثُوا إِلَى الصِّدِّيقِ يَسْتَمِدُّونَهُ فَقَالَ: خَالِدٌ لَهَا، فَبَعَثَ إِلَى خَالِدٍ فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ فِي رَبِيعٍ الْآخِرِ، فَعِنْدَ وصول خالد إليهم أقبل ماهان مَدَدًا لِلرُّومِ وَمَعَهُ الْقَسَاقِسَةُ، وَالشَّمَامِسَةُ وَالرُّهْبَانُ يَحُثُّونَهُمْ وَيُحَرِّضُونَهُمْ عَلَى الْقِتَالِ لِنَصْرِ دِينِ النَّصْرَانِيَّةِ، فَتَكَامَلَ جيش الروم أربعون ومائتا ألف ثمانون ألفا مسلسل بالحديد والحبال، وثمانون ألفا فارس، وثمانون ألفا راجل. قال سيف وَقِيلَ بَلْ كَانَ الَّذِينَ تَسَلْسَلُوا كُلُّ عَشَرَةٍ سِلْسِلَةٍ لِئَلَّا يَفِرُّوا ثَلَاثِينَ أَلْفًا، فاللَّه أَعْلَمُ.
قَالَ سَيْفٌ وَقَدِمَ عِكْرِمَةُ بِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْجُيُوشِ فَتَكَامَلَ جَيْشُ الصَّحَابَةِ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ أَلْفًا إِلَى الْأَرْبَعِينَ أَلْفًا.
وَعِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ وَالْمَدَائِنِيِّ أَيْضًا أَنَّ وَقْعَةَ أَجْنَادِينَ قَبْلَ وَقْعَةِ الْيَرْمُوكِ وكانت وقعة أَجْنَادِينَ لِلَيْلَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنْ جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ، وَقُتِلَ بِهَا بَشَرٌ كَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَهُزِمَ الرُّومُ وَقُتِلَ أَمِيرُهُمُ الْقَيْقَلَانُ. وَكَانَ قد بعث رجلا من نصارى العرب يحبس لَهُ أَمْرَ الصَّحَابَةِ، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَيْهِ قَالَ:
وَجَدْتُ قَوْمًا رُهْبَانًا بِاللَّيْلِ فُرْسَانًا بِالنَّهَارِ، وَاللَّهِ لو سرق فيهم ابن ملكهم لقطعوه، أَوْ زَنَى لَرَجَمُوهُ.
فَقَالَ لَهُ الْقَيْقَلَانُ: وَاللَّهِ لَئِنْ كُنْتَ صَادِقًا لَبَطْنُ الْأَرْضِ خَيْرٌ مِنْ ظَهْرِهَا. وَقَالَ سَيْفُ بْنُ عُمَرَ فِي سِيَاقِهِ:
وَوَجَدَ خَالِدٌ الْجُيُوشَ مُتَفَرِّقَةً فَجَيْشُ أَبِي عُبَيْدَةَ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ نَاحِيَةً، وَجَيْشُ يَزِيدَ وَشُرَحْبِيلَ نَاحِيَةً.
فَقَامَ خَالِدٌ فِي النَّاسِ خَطِيبًا. فَأَمَرَهُمْ بِالِاجْتِمَاعِ وَنَهَاهُمْ عَنِ التَّفَرُّقِ وَالِاخْتِلَافِ. فَاجْتَمَعَ النَّاسُ وَتَصَافُّوا مَعَ عَدُوِّهِمْ فِي أَوَّلِ جُمَادَى الْآخِرَةِ وَقَامَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فِي النَّاسِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ: إِنَّ هَذَا يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِ اللَّهِ، لَا يَنْبَغِي فِيهِ الْفَخْرُ وَلَا الْبَغْيُ، أَخْلِصُوا جِهَادَكُمْ وَأَرِيدُوا اللَّهَ بِعَمَلِكُمْ، وإن هذا يوم له ما بعده لو رَدَدْنَاهُمُ الْيَوْمَ إِلَى خَنْدَقِهِمْ فَلَا نَزَالُ نَرُدُّهُمْ، وَإِنْ هَزَمُونَا لَا نُفْلِحُ بَعْدَهَا أَبَدًا، فَتَعَالَوْا فَلْنَتَعَاوَرِ الْإِمَارَةَ فَلْيَكُنْ عَلَيْهَا بَعْضُنَا الْيَوْمَ وَالْآخَرُ غَدًا وَالْآخَرُ بَعْدَ غَدٍ، حَتَّى يَتَأَمَّرَ كُلُّكُمْ، وَدَعُونِي الْيَوْمَ أَلِيكُمْ، فَأَمَّرُوهُ عَلَيْهِمْ وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّ الْأَمْرَ يَطُولُ جِدًّا فَخَرَجَتِ الرُّومُ فِي تعبئة لم