عَنْ صَفْوَانُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ. قَالَ: بعث هرقل مائتي ألف عليهم ماهان الْأَرْمَنِيُّ. قَالَ سَيْفٌ: فَسَارَتِ الرُّومُ فَنَزَلُوا الْوَاقُوصَةَ قَرِيبًا مِنَ الْيَرْمُوكِ، وَصَارَ الْوَادِي خَنْدَقًا عَلَيْهِمْ. وَبَعَثَ الصَّحَابَةُ إِلَى الصِّدِّيقِ يَسْتَمِدُّونَهُ وَيُعْلِمُونَهُ بِمَا اجْتَمَعَ مِنْ جَيْشِ الرُّومِ بِالْيَرْمُوكِ، فَكَتَبَ الصِّدِّيقُ عِنْدَ ذَلِكَ إِلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ أَنْ يَسْتَنِيبَ عَلَى الْعِرَاقِ وَأَنْ يَقْفِلَ بِمَنْ مَعَهُ إِلَى الشَّامِ، فَإِذَا وَصَلَ إِلَيْهِمْ فَهُوَ الْأَمِيرُ عَلَيْهِمْ. فَاسْتَنَابَ الْمُثَنَّى بْنَ حَارِثَةَ عَلَى الْعِرَاقِ وسار خالد مسرعا في تسعة آلاف وخمسمائة، وَدَلِيلُهُ رَافِعُ بْنُ عُمَيْرَةَ الطَّائِيُّ، فَأَخَذَ بِهِ على السماق حَتَّى انْتَهَى إِلَى قُرَاقِرَ، وَسَلَكَ بِهِ أَرَاضِيَ لَمْ يَسْلُكْهَا قَبْلَهُ أَحَدٌ، فَاجْتَابَ الْبَرَارِيَّ وَالْقِفَارَ، وَقَطَعَ الْأَوْدِيَةِ، وَتَصَعَّدَ عَلَى الْجِبَالِ، وَسَارَ فِي غَيْرِ مَهْيَعٍ، وَجَعَلَ رَافِعٌ يَدُلُّهُمْ فِي مَسِيرِهِمْ على الطريق وهو في مفاوز معطشة، وَعَطَّشَ النُّوقَ وَسَقَاهَا الْمَاءَ عَلَلًا بَعْدَ نَهَلٍ، وقطع مشافرها وكعمها حتى لا تحتز رحل أَدْبَارَهَا، وَاسْتَاقَهَا مَعَهُ، فَلَمَّا فَقَدُوا الْمَاءَ نَحَرَهَا فَشَرِبُوا مَا فِي أَجْوَافِهَا مِنَ الْمَاءِ، وَيُقَالُ بَلْ سَقَاهُ الْخَيْلَ وَشَرِبُوا مَا كَانَتْ تَحْمِلُهُ مِنَ الْمَاءِ وَأَكَلُوا لُحُومَهَا. وَوَصَلَ وللَّه الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ فِي خَمْسَةِ أَيَّامٍ، فَخَرَجَ عَلَى الرُّومِ من ناحية تدمر فصالح أهل تدمر وأركه، وَلَمَّا مَرَّ بِعَذْرَاءَ أَبَاحَهَا وَغَنِمَ لِغَسَّانَ أَمْوَالًا عَظِيمَةً وَخَرَجَ مِنْ شَرْقِيِّ دِمَشْقَ، ثُمَّ سَارَ حَتَّى وَصَلَ إِلَى قَنَاةِ بُصْرَى فَوَجَدَ الصَّحَابَةَ تحاربها فَصَالَحَهُ صَاحِبُهَا وَسَلَّمَهَا إِلَيْهِ، فَكَانَتْ أَوَّلَ مَدِينَةٍ فُتِحَتْ مَنِ الشَّامِ وللَّه الْحَمْدُ.

وَبَعَثَ خَالِدٌ بِأَخْمَاسِ مَا غَنِمَ مِنْ غَسَّانَ مَعَ بِلَالِ بن الحرث الْمُزَنِيِّ إِلَى الصِّدِّيقِ ثُمَّ سَارَ خَالِدٌ وَأَبُو عبيدة ومرثد وَشُرَحْبِيلُ إِلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ- وَقَدْ قَصَدَهُ الروم بأرض العربا من المعور- فَكَانَتْ وَاقِعَةُ أَجْنَادِينَ. وَقَدْ قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي مَسِيرِهِمْ هَذَا مَعَ خَالِدٍ:

للَّه عينا رافع أنى اهتدى ... قرفون من قراقر إلى شوى

خمسا إذا ما ساره الْجَيْشُ بَكَى ... مَا سَارَهَا قَبْلَكَ إِنْسِيٌّ أَرَى

وَقَدْ كَانَ بَعْضُ الْعَرَبِ قَالَ لَهُ فِي هَذَا الْمَسِيرِ: إِنْ أَنْتَ أَصْبَحَتْ عِنْدَ الشَّجَرَةِ الْفُلَانِيَّةِ نَجَوْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ، وَإِنْ لَمْ تُدْرِكْهَا هَلَكْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ، فَسَارَ خَالِدٌ بِمَنْ مَعَهُ وَسَرَوْا سَرْوَةً عَظِيمَةً فَأَصْبَحُوا عِنْدَهَا، فَقَالَ خَالِدٌ: عِنْدَ الصَّبَاحِ يَحْمَدُ الْقَوْمُ السُّرَى. فَأَرْسَلَهَا مَثَلًا، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ قَالَهَا رَضِيَ الله عنه. ويقول غَيْرُ ابْنِ إِسْحَاقَ كَسَيْفِ بْنِ عُمَرَ وَأَبِي نحيف وَغَيْرِهِمَا فِي تَكْمِيلِ السِّيَاقِ الْأَوَّلِ:

حِينَ اجْتَمَعَتِ الرُّومُ مَعَ أُمَرَائِهَا بِالْوَاقُوصَةِ وَانْتَقَلَ الصَّحَابَةُ مِنْ مَنْزِلِهِمُ الَّذِي كَانُوا فِيهِ فَنَزَلُوا قَرِيبًا مِنَ الرُّومِ فِي طَرِيقِهِمُ الَّذِي لَيْسَ لَهُمْ طَرِيقٌ غَيْرُهُ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: أَبْشِرُوا أَيُّهَا النَّاسُ، فَقَدْ حُصِرَتْ وَاللَّهِ الرُّومُ، وَقَلَّمَا جَاءَ مَحْصُورٌ بِخَيْرٍ. وَيُقَالُ إِنَّ الصَّحَابَةَ لَمَّا اجْتَمَعُوا لِلْمَشُورَةِ فِي كَيْفِيَّةِ الْمَسِيرِ إِلَى الرُّومِ، جَلَسَ الْأُمَرَاءُ لِذَلِكَ فَجَاءَ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنِّي أُعَمَّرُ حَتَّى أُدْرِكَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015