الطَّغَامِ، لَكِنَّهُ كَانَ قَدْ عَزَمَ عَلَى أَخْذِ أراضي كَثِيرَةٍ مِنَ الْقُرَى وَالْبَسَاتِينِ الَّتِي بِأَيْدِي مُلَّاكِهَا بِزَعْمِ أَنَّهُ قَدْ كَانَتِ التَّتَارُ اسْتَحْوَذُوا عَلَيْهَا ثُمَّ اسْتَنْقَذَهَا مِنْهُمْ، وَقَدْ أَفْتَاهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ من الحنفية تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ إِذَا أَخَذُوا شَيْئًا مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ مَلَكُوهَا، فَإِذَا اسْتُرْجِعَتْ لَمْ ترد إلى أصحابها، وهذه المسألة مشهورة وللناس فيها قولان (أصحها) قول الجمهور أنه يجب ردها إِلَى أَصْحَابِهَا لِحَدِيثِ الْعَضْبَاءِ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حِينَ اسْتَرْجَعَهَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ كَانَ أَخَذَهَا الْمُشْرِكُونَ، اسْتَدَلُّوا بِهَذَا وَأَمْثَالِهِ عَلَى أَبِي حنيفة، وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِذَا أَخَذَ الْكُفَّارُ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ وَأَسْلَمُوا وَهِيَ فِي أَيْدِيهِمْ اسْتَقَرَّتْ عَلَى أَمْلَاكِهِمْ، وَاسْتُدِلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ " وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عُقيل مِنْ رِبَاعٍ " وَقَدْ كَانَ اسْتَحْوَذَ عَلَى أَمْلَاكِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ هَاجَرُوا وَأَسْلَمَ عَقِيلٌ وَهِيَ فِي يَدِهِ، فَلَمْ تُنْتَزَعْ مِنْ يَدِهِ، وَأَمَّا إِذَا انْتُزِعَتْ مِنْ أَيْدِيهِمْ قَبْلُ، فَإِنَّهَا تُرَدُّ إِلَى أَرْبَابِهَا لِحَدِيثِ الْعَضْبَاءِ، وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الظَّاهِرَ عَقَدَ مَجْلِسًا اجْتَمَعَ فِيهِ الْقُضَاةُ وَالْفُقَهَاءُ مِنْ سَائِرِ الْمَذَاهِبِ وَتَكَلَّمُوا فِي ذَلِكَ وَصَمَّمَ السُّلْطَانُ عَلَى ذَلِكَ اعْتِمَادًا عَلَى مَا بِيَدِهِ مِنَ الْفَتَاوَى، وَخَافَ النَّاسُ مِنْ غَائِلَةِ ذَلِكَ فَتَوَسَّطَ الصَّاحِبُ فَخْرُ الدِّينِ بن الوزير بهاء الدين بن أحنا، وَكَانَ قَدْ دَرَّسَ بِالشَّافِعِيِّ بَعْدَ ابْنِ بِنْتِ الْأَعَزِّ، فَقَالَ: يَا خُونْدُ أَهْلُ الْبَلَدِ يُصَالِحُونَكَ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ بِأَلْفِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، تُقَسَّطُ كل سنة مائتي أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَأَبَى إِلَّا أَنْ تَكُونَ مُعَجَّلَةً بَعْدَ أَيَّامٍ، وَخَرَجَ مُتَوَجِّهًا إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَقَدْ أَجَابَ إِلَى تَقْسِيطِهَا، وَجَاءَتِ الْبِشَارَةُ بِذَلِكَ، وَرَسَمَ أَنْ يُعَجِّلُوا مِنْ ذَلِكَ أَرْبَعَمِائَةِ أَلْفِ درهم، وأن تعاد إليه الْغَلَّاتُ الَّتِي كَانُوا قَدِ احْتَاطُوا عَلَيْهَا فِي زَمَنِ الْقَسْمِ وَالثِّمَارِ، وَكَانَتْ هَذِهِ الْفَعْلَةُ مِمَّا شَعَّثَتْ خَوَاطِرَ النَّاسِ عَلَى السُّلْطَانِ.
وَلَمَّا اسْتَقَرَّ أَمْرُ أَبْغَا عَلَى التَّتَارِ أَمَرَ بِاسْتِمْرَارِ وَزِيرِهِ نَصِيرِ الدِّينِ الطُّوسِيِّ، وَاسْتَنَابَ عَلَى بِلَادِ الرُّومِ الْبَرْوَانَاهْ (?) وَارْتَفَعَ قَدْرُهُ عِنْدَهُ جِدًّا وَاسْتَقَلَّ بِتَدْبِيرِ تِلْكَ الْبِلَادِ وَعَظُمَ شَأْنُهُ فِيهَا.
وَفِيهَا كَتَبَ صَاحِبُ الْيَمَنِ إِلَى الظَّاهِرِ بِالْخُضُوعِ وَالِانْتِمَاءِ إِلَى جانبه وأن يَخْطُبُ لَهُ بِبِلَادِ الْيَمَنِ، وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ هَدَايَا وَتُحَفًا كَثِيرَةً، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ السُّلْطَانُ هَدَايَا وَخِلَعَا وَسَنْجَقًا وَتَقْلِيدًا.
وَفِيهَا رَافَعَ ضِيَاءُ الدِّينِ بْنُ القفاعي لِلصَّاحِبِ بَهَاءِ الدِّينِ بْنِ الْحِنَّا عِنْدَ الظَّاهِرِ وَاسْتَظْهَرَ عَلَيْهِ
ابْنُ الْحِنَّا، فَسَلَّمَهُ الظَّاهِرُ إِلَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ يَضْرِبُهُ بِالْمَقَارِعِ وَيَسْتَخْلِصُ أَمْوَالَهُ إِلَى أَنْ مَاتَ، فَيُقَالُ إِنَّهُ ضَرَبَهُ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ سَبْعَةَ عَشَرَ أَلْفَ مِقْرَعَةٍ وَسَبْعَمِائَةٍ فَاللَّهُ أعلم.