رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ (فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ) [الأنعام: 89] وَيُشِيرُ إِلَى حَلْقَةِ ابْنِ أَبِي دُؤَادٍ (فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ) [الأنعام: 89] ويشير إلى أحمد بن حنبل وأصحابه.
وقال بعضهم: رأيت في المنام كَأَنَّ قَائِلًا يَقُولُ: هَلَكَ اللَّيْلَةَ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي دُؤَادٍ.
فَقُلْتُ لَهُ: وَمَا سَبَبُ هَلَاكِهِ؟ فَقَالَ: إِنَّهُ أَغْضَبَ اللَّهَ عَلَيْهِ فَغَضِبَ عَلَيْهِ من فوق سبع سموات.
وقال غيره: رأيت ليلة مات ابن أبي دؤاد كَأَنَّ النَّارَ زَفَرَتْ زَفْرَةً عَظِيمَةً فَخَرَجَ مِنْهَا لهب فقلت: ما هذا؟ فقيل هذا أنجزت لابن أبي دؤاد.
وقد كان هلاكه فِي يَوْمِ السَّبْتِ لِسَبْعٍ بَقِينَ مِنَ الْمُحَرَّمِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَصَلَّى عَلَيْهِ ابْنُهُ الْعَبَّاسُ وَدُفِنَ فِي دَارِهِ بِبَغْدَادَ وَعُمْرُهُ يَوْمَئِذٍ ثَمَانُونَ سَنَةً، وَابْتَلَاهُ اللَّهُ بِالْفَالِجِ قَبْلَ مَوْتِهِ بِأَرْبَعِ سنين حتى بقي طريحاً في فراشه لا يستطيع أن يحرك شيئاً من جسده، وحرم لذة الطعام والشراب والنكاح وغير ذلك.
وَقَدْ دَخَلَ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا جئتك عائداً وإنما جئتك لأعزيك في نفسك وأحمد الله الذي سجنك في جسدك الذي هو أشد عليك عقوبة من كل سجن، ثم خرج عنه داعياً عليه بأن يزيده الله ولا ينقصه مما هو فيه، فازداد مرضاً إلى مرضه.
وَقَدْ صُودِرَ فِي الْعَامِ الْمَاضِي بِأَمْوَالٍ جَزِيلَةٍ جداً، ولو كان يحمل العقوبة لوضعها عليه المتوكل.
قَالَ ابْنُ خِلِّكَانَ: كَانَ مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ سِتِّينَ وَمِائَةٍ.
قُلْتُ: فَعَلَى هَذَا يَكُونُ أَسَنَّ مِنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَمِنْ يَحْيَى بْنِ أكثم الذي ذكر ابن خلكان أن ابن أكثم كَانَ سَبَبَ اتِّصَالِ ابْنِ أَبِي دُؤَادٍ بِالْخَلِيفَةِ الْمَأْمُونِ، فَحَظِيَ عِنْدَهُ بِحَيْثُ إِنَّهُ أَوْصَى بِهِ إلى أخيه المعتصم، فولاه المعتصم الْقَضَاءَ وَالْمَظَالِمَ، وَكَانَ ابْنُ الزَّيَّاتِ الْوَزِيرُ يُبْغِضُهُ، وجرت بينهما منافسات وهجو، وقد
كان لا يقطع أمراً بدونه.
وعزل ابن أكثم عن القضاء وولاه مكانه، وهذه الْمِحْنَةُ الَّتِي هِيَ أُسُّ مَا بَعْدَهَا مِنَ الْمِحَنِ، وَالْفِتْنَةُ الَّتِي فَتَحَتْ عَلَى النَّاسِ بَابَ الْفِتَنِ.
ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ خِلِّكَانَ مَا ضُرِبَ به الفالج وما صودر به من المال، وأن ابنه أبا الوليد محمد صودر بألف ألف دينار ومائتي أَلْفِ دِينَارٍ (?) ، وَأَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ أَبِيهِ بِشَهْرٍ.
وأما ابْنُ عَسَاكِرَ فَإِنَّهُ بَسَطَ الْقَوْلَ فِي تَرْجَمَتِهِ وشرحها شرحاً جيداً.
وَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ أَدِيبًا فَصِيحًا كَرِيمًا جَوَادًا مُمَدَّحًا يُؤْثِرُ الْعَطَاءَ عَلَى الْمَنْعِ، وَالتَّفْرِقَةَ عَلَى الْجَمْعِ وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ بِإِسْنَادِهِ أنَّه جَلَسَ يَوْمًا مَعَ أَصْحَابِهِ يَنْتَظِرُونَ خُرُوجَ الْوَاثِقِ فَقَالَ ابْنُ أَبِي دُؤَادٍ إِنَّهُ لَيُعْجِبُنِي هَذَانَ الْبَيْتَانِ: وَلِي نَظْرَةٌ لَوْ كَانَ يُحْبِلَ نَاظِرٌ * بِنَظْرَتِهِ أُنْثَى لَقَدْ حَبِلَتْ مِنِّي فَإِنْ وَلَدَتْ بين تسعة أشهر * إلى نظر ابنا فإن ابنها مني وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ أَبُو ثَوْرٍ إبراهيم بن خالد الكلبي أحد الفقهاء المشاهير.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: هُوَ عِنْدَنَا فِي مِسْلَاخِ (?) الثَّوْرِيِّ.
وَخَلِيفَةُ بْنُ خَيَّاطٍ أَحَدُ أَئِمَّةِ التَّارِيخِ وسويد بن سعيد (3)