وَعِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنَّ اللَّهَ قَالَ لِمُوسَى عليه السلام إن هرون اللَّاوِيَّ يَعْنِي مِنْ نَسْلِ لَاوِي بْنِ يَعْقُوبَ سَيَخْرُجُ وَيَتَلَقَّاكَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَعَهُ مَشَايِخَ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى عِنْدِ فِرْعَوْنَ وَأَمَرَهُ أَنْ يُظْهِرَ مَا آتَاهُ مِنَ الْآيَاتِ * وَقَالَ لَهُ سَأُقْسِّي قَلْبَهُ فَلَا يُرْسِلُ الشَّعْبَ وَأَكْثَرُ آيَاتِي وأعاجيبي بأرض مصر * وأوحى الله إلى هرون أَنْ يَخْرُجَ إِلَى أَخِيهِ يَتَلَقَّاهُ بِالْبَرِّيَّةِ عِنْدَ جَبَلِ حُورِيبَ فَلَمَّا تَلْقَاهُ أَخْبَرَهُ مُوسَى بِمَا أَمَرَهُ بِهِ رَبُّهُ * فَلَمَّا دَخَلَا مِصْرَ جَمْعَا شُيُوخَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَذَهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ فَلَمَّا بَلَّغَاهُ رِسَالَةَ اللَّهِ قَالَ:
مَنْ هُوَ اللَّهُ لَا أَعْرِفُهُ وَلَا أُرْسِلُ بَنِي إِسْرَائِيلَ.
وَقَالَ اللَّهُ مُخْبِرًا عَنْ فِرْعَوْنَ (قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يا موسى قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أعطى كل شئ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى.
مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى) [طه: 49 - 55] .
يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ فِرْعَوْنَ أَنَّهُ أَنْكَرَ إِثْبَاتَ الصَّانِعِ تَعَالَى قَائِلًا (فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا موسى قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أعطى كل شئ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) أَيْ هُوَ الَّذِي خَلَقَ الْخَلْقَ وقدَّر لَهُمْ أَعْمَالًا وَأَرْزَاقًا وَآجَالًا * وَكَتَبَ ذَلِكَ عِنْدَهُ فِي كِتَابِهِ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ ثُمَّ هَدَى كُلَّ مَخْلُوقٍ إلى ما قدره له فطابق عمله فِيهِمْ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَدَّرَهُ وَعَلِمَهُ لِكَمَالِ عِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ وَقَدَرِهِ وَهَذِهِ الْآيَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى.
الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قدر فهدى) [الْأَعْلَى: 1 - 3] أَيْ قَدَّرَ قَدَرًا وَهَدَى الْخَلَائِقَ إِلَيْهِ.
(قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى) [طه: 51] يَقُولُ فِرْعَوْنُ لِمُوسَى: فَإِذَا كَانَ رَبُّكَ هُوَ الْخَالِقُ الْمُقَدِّرُ الْهَادِي الْخَلَائِقَ لِمَا قَدَّرَهُ، وَهُوَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْعِبَادَةَ سِوَاهُ، فَلِمَ عَبَدَ الْأَوَّلُونَ غَيْرَهُ وَأَشْرَكُوا بِهِ مِنَ الْكَوَاكِبِ وَالْأَنْدَادِ، مَا قَدْ عَلِمْتَ فَهَلَّا اهْتَدَى إِلَى مَا ذَكَرْتَهُ الْقُرُونُ الْأُولَى (قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى) [طه: 52] أَيْ هُمْ وَإِنْ عَبَدُوا غَيْرَهُ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِحُجَّةٍ لَكَ وَلَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ مَا أَقُولُ لِأَنَّهُمْ جَهَلَةٌ مِثْلُكَ، كل شئ فَعَلُوهُ مُسْتَطَرٌ عَلَيْهِمْ فِي الزُّبُرِ، مِنْ صَغِيرٍ وكبير، وسيجزيهم على ذلك ربي عزوجل وَلَا يَظْلِمُ أَحَدًا مِثْقَالَ ذَرَّةٍ، لِأَنَّ جَمِيعَ أَفْعَالِ الْعِبَادِ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ فِي كِتَابٍ لَا يضل عنه شئ وَلَا يَنْسَى رَبِّي شَيْئًا.
ثُمَّ ذَكَرَ لَهُ عَظَمَةَ الرَّبِّ وَقُدْرَتَهُ عَلَى خَلْقِ الْأَشْيَاءِ وَجَعْلَهُ الْأَرْضَ مِهَادًا (?) وَالسَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَتَسْخِيرَهُ السَّحَابَ وَالْأَمْطَارَ لِرِزْقِ الْعِبَادِ وَدَوَابِّهِمْ وَأَنْعَامِهِمْ كَمَا قَالَ: (كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى) [طه: 54] أَيْ لِذَوِي الْعُقُولِ الصَّحِيحَةِ الْمُسْتَقِيمَةِ وَالْفِطَرِ الْقَوِيمَةِ غَيْرِ السَّقِيمَةِ فَهُوَ تَعَالَى الخالق الرازق.
وَكَمَا قَالَ تَعَالَى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ.
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً
فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وأنتم تعلمون) [البقرة: 21 - 22] ولما