[النحل: 145] وَقَالَ تَعَالَى (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ الْآيَةَ) [الْعَنْكَبُوتِ: 46] قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ (فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً) أعذرا إليه قولا له وإن لَكَ رَبًّا وَلَكَ مَعَادًا وَإِنَّ بَيْنَ يَدَيْكَ جَنَّةً وَنَارًا.
وَقَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: قُولَا له إن لي الْعَفْوُ وَالْمَغْفِرَةُ أَقْرَبُ مِنِّي إِلَى الْغَضَبِ وَالْعُقُوبَةِ.
قال يَزِيدُ الرَّقَاشِيُّ عِنْدَ هَذِهِ الْآيَةِ يَا مَنْ ينحبب إِلَى مَنْ يُعَادِيهِ فَكَيْفَ بِمَنْ يَتَوَلَّاهُ وَيُنَادِيهِ (قَالَا رَبَّنَا إنا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى) [طه: 201] وَذَلِكَ أَنَّ فِرْعَوْنَ كَانَ جَبَّارًا عَنِيدًا وشيطاناً مَرِيدًا لَهُ سُلْطَانٌ فِي بِلَادِ مِصْرَ طَوِيلٌ عَرِيضٌ وَجَاهٌ وَجُنُودٌ وَعَسَاكِرُ وَسَطْوَةٌ فَهَابَاهُ مِنْ حَيْثُ الْبَشَرِيَّةُ وَخَافَا أَنْ يَسْطُوَ عَلَيْهِمَا فِي بَادِئِ الْأَمْرِ فَثَبَّتَهُمَا تَعَالَى وَهُوَ الْعَلِيُّ الْأَعْلَى فَقَالَ (لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى) [طه: 46] كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى (إِنَّا معكم مستمعون) [الشعراء: 15.
] .
(فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبع الْهُدَى.
إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وتولى) [طه: 47 - 48] يَذْكُرُ تَعَالَى أَنَّهُ أَمَرَهُمَا أَنْ يَذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ فَيَدْعُوَاهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَعْبُدَهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنْ يُرْسِلَ مَعَهُمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَيُطْلِقَهُمْ مِنْ أَسْرِهِ وَقَهْرِهِ وَلَا يُعَذِّبَهُمْ (?) .
(قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ) [طه: 47] وَهُوَ الْبُرْهَانُ الْعَظِيمُ فِي الْعِصِيِّ
وَالْيَدِ (والسلام على من اتَّبَعَ الْهُدَى) تقيد مُفِيدٌ بَلِيغٌ عَظِيمٌ.
ثُمَّ تَهَدَّدَاهُ وَتَوَعَّدَاهُ عَلَى التَّكْذِيبِ فَقَالَا (إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) أَيْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ بِقَلْبِهِ وَتَوَلَّى عَنِ الْعَمَلِ بِقَالَبِهِ.
وَقَدْ ذَكَرَ السُّدِّيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ مِنْ بِلَادِ مَدْيَنَ دَخَلَ عَلَى أُمِّهِ وأخيه هرون وهما يتعشيان من طعام فيه الطفشيل وَهُوَ اللِّفْتُ فَأَكَلَ مَعَهُمَا * ثُمَّ قَالَ: يَا هرون إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي وَأَمَرَكَ أَنْ نَدْعُوَ فِرْعَوْنَ إِلَى عِبَادَتِهِ فَقُمْ مَعِي؟ فَقَامَا يَقْصِدَانِ بَابَ فِرْعَوْنَ، فَإِذَا هُوَ مُغْلَقٌ فَقَالَ: مُوسَى لِلْبَوَّابِينَ وَالْحَجَبَةِ: أَعْلِمُوهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ بِالْبَابِ فَجَعَلُوا يسخرون منه ويستهزؤن بِهِ (?) .
وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُمَا عَلَيْهِ إِلَّا بَعْدَ حِينٍ طَوِيلٍ.
وَقَالَ محمد بن اسحق أَذِنَ لَهُمَا بَعْدَ سَنَتَيْنِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُ أَحَدٌ يَتَجَاسَرُ عَلَى الِاسْتِئْذَانِ لَهُمَا فَاللَّهُ أَعْلَمُ * وَيُقَالُ إِنَّ مُوسَى تَقَدَّمَ إِلَى الْبَابِ فَطَرَقَهُ بِعَصَاهُ فَانْزَعَجَ فِرْعَوْنُ وَأَمَرَ بِإِحْضَارِهِمَا فَوَقَفَا بَيْنَ يديه فدعواه إلى الله عزوجل كما أمرهما.