وبتقدير صحته فمعاوية يَسْتَجِيزُ قَتْلَ الْأَشْتَرِ لِأَنَّهُ مِنْ قَتَلَةِ عُثْمَانَ ري اللَّهُ عَنْهُ.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ وَأَهْلَ الشَّامِ فَرِحُوا فَرَحًا شَدِيدًا بِمَوْتِ الْأَشْتَرِ النَّخَعِيِّ، وَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ عَلِيًّا تَأَسَّفَ عَلَى شَجَاعَتِهِ وَغَنَائِهِ، وَكَتَبَ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بِاسْتِقْرَارِهِ واستمراره بديار مصر (?) ، غير أنه ضَعُفَ جَأْشُهُ مَعَ مَا كَانَ فِيهِ مِنَ الْخِلَافِ عَلَيْهِ مِنَ الْعُثْمَانِيَّةِ الَّذِينَ بِبَلَدِ خِرِبْتَا وَقَدْ كَانُوا اسْتَفْحَلَ أَمْرُهُمْ حِينَ انْصَرَفَ عَلِيٌّ من صفِّين، وحين كان مِنْ أَمْرِ التَّحْكِيمِ مَا كَانَ، وَحِينَ نَكَلَ أهل العراق عن قتال أهل الشام، وقد كان أهل الشَّام حين انْقَضَتِ الْحُكُومَةُ بِدُومَةِ الْجَنْدَلِ سَلَّمُوا عَلَى مُعَاوِيَةَ بِالْخِلَافَةِ وَقَوِيَ أَمْرُهُمْ جِدًّا، فَعِنْدَ ذَلِكَ جَمَعَ مُعَاوِيَةُ أُمَرَاءَهُ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، وَشُرَحْبِيلَ بْنَ السمط وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، وَالضَّحَّاكَ بْنَ قَيْسٍ، وَبُسْرَ بْنَ أَبِي أَرْطَاةَ، وَأَبَا الْأَعْوَرِ السُّلَمِيَّ، وَحَمْزَةَ بْنَ سِنَانٍ الْهَمْدَانِيَّ وَغَيْرَهُمْ، فاستشارهم في المسير إلى ديار مِصْرَ فَاسْتَجَابُوا لَهُ وَقَالُوا: سِرْ حَيْثُ شِئْتَ فَنَحْنُ مَعَكَ، وَعَيَّنَ مُعَاوِيَةُ نِيَابَتَهَا لِعَمْرِو بْنِ العاص إذا فتحها ففرح بذلك عمرو بن العاص، ثم قال عمرو لمعاوية: أرى أن تبعث إليهم رجالاً مع رجل مَأْمُونٌ عَارِفٌ بِالْحَرْبِ، فَإِنَّ بِهَا جَمَاعَةً مِمَّنْ يُوَالِي عُثْمَانَ فَيُسَاعِدُونَهُ عَلَى حَرْبِ مَنْ خَالَفَهُمْ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: لَكِنْ أَرَى أَنْ أَبْعَثَ إليَّ شيعتنا ممن هنالك كتاباً يعلمهم بقدومهم عَلَيْهِمْ، وَنَبْعَثُ إِلَى مُخَالِفِينَا كِتَابًا
نَدْعُوهُمْ فِيهِ إلى الصلح.
وقال معاوية: إِنَّكَ يَا عَمْرُو رَجُلٌ بُورِكَ لَكَ فِي الْعَجَلَةِ وَإِنِّي امْرُؤٌ بُورِكَ لِي فِي التُّؤَدَةِ، فقال عمرو: افعل ما أراك الله، فوالله ما أَمْرَكَ وَأَمْرَهُمْ إِلَّا سَيَصِيرُ إِلَى الْحَرْبِ الْعَوَانِ، فَكَتَبَ عِنْدَ ذَلِكَ مُعَاوِيَةُ إِلَى مَسْلَمَةَ بْنِ مخلد الأنصاري، وإلى معاوية بن خديج السكوني - وهما رئيسا العثمانية ببلاد مصر مِمَّنْ لَمْ يُبَايِعُ عَلِيًّا وَلَمْ يَأْتَمِرْ بِأَمْرِ نُوَّابِهِ بِمِصْرَ فِي نَحْوٍ مَنْ عَشَرَةَ آلَافٍ - يخبرهم بقدوم الجيش عليهم سَرِيعًا، وَبَعَثَ بِهِ مَعَ مَوْلًى لَهُ يُقَالُ لَهُ سُبَيْعٌ (?) ، فَلَمَّا وَصَلَ الْكِتَابُ إِلَى مَسْلَمَةَ ومعاوية بن خديج فَرِحَا بِهِ وَرَدَّا جَوَابَهُ بِالِاسْتِبْشَارِ وَالْمُعَاوَنَةِ وَالْمُنَاصَرَةِ له ولمن يبعثه من الجيوش والجند والمدد إن شاء الله تعالى، فَعِنْدَ ذَلِكَ جَهَّزَ مُعَاوِيَةُ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ في ستة آلاف (?) ، وخرج معاوية مُوَدِّعًا وَأَوْصَاهُ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالرِّفْقِ وَالْمَهْلِ وَالتُّؤَدَةِ، وَأَنْ يَقْتُلَ مَنْ قَاتَلَ وَيَعْفُوَ عَمَّنْ أَدْبَرَ، وَأَنْ يَدْعُوَ النَّاس إليَّ الصُّلْحِ وَالْجَمَاعَةِ، فَإِذَا أَنْتَ ظَهَرْتَ فَلْيَكُنْ أَنْصَارُكَ آثَرَ النَّاسِ عِنْدَكَ، فسار عمرو بن العاص إلى مصر، فلما قدمها اجتمعت عليه العثمانية فقادهم، وكتب عمرو بن العاص إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ: أَمَّا بَعْدُ فتنح فَإِنِّي لَا أُحِبُّ أَنْ يُصِيبَكَ مِنِّي ظُفُرٌ،