فقال للذي يليني: ما تقول؟ فقال: ما في فضل.
فقال لو كنت شبعان لحلفت كما حلف أبو عبد اللَّه.
فحلف الرجل الرجل أنه شبعان، فقال للآخر الذي إلى جانبه، فحلف، فلم يزل يستقري واحدا واحدا، ويحلف أنه شبعان ومن لم يحلف، قَالَ له: لو كنت شبعان لحلفت.
فيحلف الرجل، فلما استوثق من جماعتنا بالأيمان، وثلج صدره أنه لا حيلة لأحد منا في الأكل، قَالَ: أما أنا فقد تتبعت نفسي أكل شحم كلاه حارا.
فقلنا له: كل هناك اللَّه.
فقال: يا غلام، ضع الطيفورية.
فتركت بين يديه، فأكل أكثر الجدي وحده، وأمر برفع باقيه وحفظه "
228 - وأخبرنا التنوخي، حَدَّثَنَا أبي، قَالَ: أخبرني غير واحد: " أن أسد بْن جهور العامل كان بخيلا سواديا، وكان مكاشفا بالبخل على الطعام جدا، فكان ندماؤه يلقون لذلك جهدا، وكان يحضرهم ويطالبهم بالجلوس، ويحضر كل لذيذ شهي من الطعام، فإن ذاقه منهم ذائق استحل دمه وعجل عقوبته، وكانت علامته معهم إذا شيلت المائدة أنّ يمسحوا أيديهم بلحاهم، ليعلم أنهم ما شعثوا شيئا يزهمها، وكان له ابن أخت يتجرى عليه ولا يفكر فيه، ويهتك ستره إذا واكله.
فقدمت يوما إليه دجاجة هندية فائقة سرية، فحين أهوى ابن أخته إليها بيده قبض أسد عليها، وقال: يا غث يا بارد، يا سيئ العشرة، يا قبيح الأدب، أفي الدنيا أحد استحسن إفساد هذه؟ فقال له ابن أخته: يا بخيل، يا لئيم، يا سيئ الاختيار، فلأي تصلح؟ عقدة على وجه الدهر، كنزا للأعقاب، صنما للعبادة، أوسطة للمخانق، سرية يتمتع بالنظر إليها؟ شهد اللَّه أنني ما أدعها.
فتصابرا عليها، إلى أن قَالَ له الفتى: فافتدها مني.
قَالَ: بماذا تحب حتى أفعل؟ قَالَ: ببغلتك الفلانية.
قَالَ: قد فعلت، قَالَ: بسرجها