إليّ أسرع، وفي لحمي أرتع «1» .
ثم قال: وفي الجارود بن أبي سبرة «2» لكم واعظ، وفي أبي الحارث جميّن زاجر. فقد كانا يدعيان الى الطعام، وإلى الإكرام، لظرفهما، وحلاوتهما، وحسن حديثهما، وقصر يومهما. وكانا يتشهيان الغرائب، ويقترحان الطرائف، ويكلفان الناس المؤن الثقال «3» ويمتحنان ما عندهم بالكلف الشداد. فكان جزاؤهم من إحسانهم ما قد علمتم.
قال: من ذلك أن بلال بن أبي بردة «4» كان رجلا عيّابا، وكان إلى أعراض الأشراف متسرعا، فقال للجارود: كيف طعام عبد الله بن أبي عثمان؟ قال: يعرف وينكر. قال: فكيف هو عليه؟ قال: يلاحظ اللقم، وينتهر السائل. قال: فكيف طعام سلم بن قتيبة «5» ؟ قال: طعام ثلاثة، فإن كانوا أربعة جاعوا. قال: فكيف طعام تسنيم إبن الحواري؟ قال: نقط العروس. قال: فكيف طعام المنجاب بن أبي عيينة؟ قال: يقول: لا خير في ثلاث أصابع في صحفة. حتى أتى على عامة أهل البصرة، وعلى كل، من كان يؤثره بالدعوة، وبالآنسة، والخاصة، ويحكمه في ماله. فلم ينج منه إلا من كان يبعده، كما لم يبتل به إلا من كان يقرّبه.