قريش، وفي نبل الهمة، وأصالة الرأي، وجودة البيان، وكمال الجسم، وفي تمام النفس عند الجولة، وعند تقصّف الرماح، وتقطع السيوف) رجلا على مائدته، مجهول الدار، غير معروف النسب، ولا مذكور بيوم صالح. فأبصر في لقمته شعرة، فقال: خذ الشعرة من لقمتك. ولا وجه لهذا القول منه إلا محض النصيحة، والا الشفقة. فقال الرجل: وإنك لتراعيني مراعاة من يبصر معها الشعرة؟ لا جلست لك على مائدة ما حييت، ولأحكينها عنك ما بقيت. فلم يدر الناس أي أمري معاوية كان أحسن وأجمل: تغافله عنه أم شفقته عليه. فكان هذا جزاؤه منه، وشكره له.
ثم قال: وكيف أطعم من إن رأيته يقصّر في الأكل فقلت له كل، ولا تقصّر في الأكل. قال: ولم فطن لفضل ما بين التقصير وغيره؟ وإن قصّر فلم أنشّطه، ولم أحثّه. قال لولا أنه وافق هواه.
ثم قال: ومد رجل من بني تميم يده إلى صاحب الشراب يستسقيه، وهو على خوان المهلّب، فلم يره الساقي، ولم يفطن له. ففعل ذلك مرارا والمهلّب يراه، وقد أمسك عن الأكل الى أن يسيغ لقمته بالشراب.
فلما طال ذلك على المهلّب، قال: اسقه يا غلام ما أحبّ من الشراب.
فلما سقاه استقله، وطلب الزيادة منه. وكان المهلب أوصاهم بالإقلال من الماء والإكثار من الخبز. قال التميمي: إنك لسريع الى السقي، سريع الى الزيادة. وحبس يده عن الطعام. فقال المهلب: إله عن هذا أيها الرجل، فإن هذا لا ينفعك ولا يضرّنا. أردنا أمرا وأردت خلافه.
وقد علمت أني دون معاوية، ودون المهلّب بن أبي صفرة «1» ، وأنهم