اعلموا أني لم ألتمس بهذه الأحاديث عنه إلا موافقته، وطلب رضاه ومحبته. ولقد خفت أن أكون عند كثير من الناس دسيسا من قبله، وكمينا من كمائنه. وذلك أن أحبّ الأصحاب اليه، أبلغهم قولا في إيأس الناس مما قبله، وأجودهم حسما لأسباب الطمع في ماله. على أني أحسنت بجهدي، فسيجعل شكري موقوفا؛ فإن جاوز كتابي هذا حدود العراق شكر، وإلا أمسك. لأن شهرته بالقبيح عند نفسه في هذا الإقليم، وقد أغناه عن التنويه والتنبيه على مذهبه. وكيف، وهو يرى أن سهل بن هارون وإسماعيل بن غزوان، كانا من المسرفين؟ وأن الثوري والكنديّ يستوجبان الحجر؟ وبلغني أنه قال: لو لم تعرفوا من كرامة الملائكة على الله إلا أنه لم يبتلهم «1» بالنفقة، ولا بقول العيال: «هات هات» لعرفتم حالهم ومنزلتهم.
وحدثني صاحب لي قال: دخلت على فلان بن فلان، وإذا المائدة موضوعة بعد، وإذا القوم قد أكلوا، ورفعوا أيديهم، فمددت يدي لآكل فقال: أجهز على الجرحى، ولا تعرض للأصحّاء. (يقول: أعرض للدجاجة التي قد نيل منها، وللفرخ المنزوع الفخذ، فأما الصحيح فلا تعرض له. وكذلك الرغيف الذي قد نيل منه، وأصابه بعض المرق) .
وقال لي هذا الرجل: أكلنا عنده يوما، وأبوه حاضر، وبنيّ له يجيء ويذهب. فاختلف مرارا، كلّ ذلك، يرانا نأكل. فقال الصبيّ: كم تأكلون، لا أطعم الله بطونكم! فقال أبوه، وهو جدّ الصبي: إبني، ورب الكعبة.