البخلاء للجاحظ (صفحة 262)

والرمال. ولو استطعت أن أجعل دونه ردما «1» كردم يأجوج ومأجوج «2» لفعلت. إن الناس فاغرة أفواههم نحو من عنده دراهم، فليس يمنعهم من النهس «3» إلا اليأس، وإن طمعوا لم تبق راغية ولا ثاغية، ولا سبد ولا لبد «4» ، ولا صامت ولا ناطق «5» ، إلا ابتلعوه والتهموه. أتدري ما تريد بشيخك؟ إنما تريد أن تفقره. فإذا أفقرته فقد قتلته. وقد تعلم ما جاء في قتل النفس المؤمنة.

فلم أشبّه قول الأصمعي لهذا الرجل حين قال: «أضن بك، وأشحّ على نصيبي منك، من أن أعرّضه للفساد» ، إلا بقول ثمامة حين قال لا بن سافري: «يا عاضّ بظر أمه. بالنظر مني أقول لك، وبالشفقة منّي أسبك» .

وذلك أنه ندم حين أعضّه، فرأى أن هذا القول يجعل ذلك منه يدا ونعمة.

وشهدت ثمامة، وأتاه رجلان قال أحدهما: «لي إليك حاجة» . فقال ثمامة: «ولي إليك أيضا حاجة» ، قال: «وما حاجتك» ؟ قال: لست أذكرها لك حتى تضمن لي قضاءها» ، قال: «قد فعلت» ، قال: «فحاجتي ألّا تسألني هذه الحاجة» ، قال: «إنك لا تدري ما هي» . قال: بلى قد دريت» ، قال:

«فما هي» ؟ قال: «هي حاجة. ليس يكون الشيء حاجة إلا وهي تحوج إلى شيء من الكلفة» ، قال: «فقد رجعت عما أعطيتك» . قال: «لكنّي لا أردّ ما أخذت» .

فأقبل عليه الآخر، فقال: «لي حاجة الى منصور بن النعمان» ، قال:

«قل: لي حاجة إلى ثمامة بن أشرس. لأني أنا الذي أقضي لك الحاجة، ومنصور يقضيها لي. فالحاجة أنا أقضيها لك وغيري يقضيها لي» ، ثم قال:

«فأنا لا أتكلم في الولايات ولا أتكلم في الدراهم من قلوب الناس ولأن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015