فقال له أنس: «ما أدري من أي أمريك أعجب: أمن صبرك على الضحك، وقد أورد عليك ما لا يصبر على مثله، أم من تركك إعطاءه، وقد كنت عزمت على إعطائه، وهذا خلاف ما أعرفك به» ؟ قال:
«ويلك! من استرعى الذئب فقد ظلم، ومن زرع سبخة «1» حصد الفقر. إني والله لو علمت أنه يكتم المعروف بالفعل، لما احتفلت بنشره له باللسان. وأين يقع مديح اللسان من مديح آثار الغنى على الإنسان.
فاللسان قد يكذب، والحال لا تكذب. لله در نصيب حيث يقول:
فعاجوا فأثنوا بالذي أنت أهله ... ولو سكتوا أثنت عليك الحقائب
أعلمت أن ناووس أبرويز «2» امدح له من شعر زهير لآل سنان بن أبي حارثة «3» ؛ لأن الشاعر يكذب ويصدق، وبنيان المراتب لا يكذب مرة ويصدق مرة. فلست بعائد إلى هذا بمعروف أبدا.
كان الأصمعي يتعوّذ بالله من الإستقراض والإستفراض «4» ، فأنعم الله عليه، حتى صار هو المستقرض منه، والمستفرض ما عنده. فاتفق أن أتاه في يوم واحد رجلان، وكان أحدهما يطلب الفرض، والآخر يطلب القرض، هجما عليه معا، فأبعله ذلك وملأ صدره ثم أقبل على صاحب السلف، فقال:
تتبدّل الأفعال بتبّدل الحال. ولكلّ زمان تدبير ولكل شيء مقدار، والله