ألف درهم لوهبت لك منها خمس مائة ألف درهم. يا هؤلاء فرجل يهب ضربة واحدة خمس مائة ألف يقال له بخيل» ؟.
وأما صاحب الثريدة البلقاء «1» ، فليس عجبي من بلقة ثريدته وسائر ما كان يظهر على إخوانه، كعجبي من شيء واحد، وكيف ضبطه وحصره وقوي عليه مع كثرة أحاديثه وصنوف مذاهبه. وذلك أني في كثرة ما جالسته، وفي كثرة ما كا يفتّن فيه من الأحاديث، ولم أره خبّر أن رجلا وهب لرجل درهما واحدا. فقد كان يفتّن في الحزم والعزم، وفي الحلم والعلم، وفي جميع المعاني، إلا ذكر الجود، فإني لم أسمع هذا الاسم منه قط. خرج هذا الباب من لسانه، كما خرج من قلبه.
ويؤكّد ما قلت فيه ما حدثني به طاهر الأسير، فإنه قال: وممّا يدلّ على أن الروم أبخل الأمم أنك لا تجد الجود في لغتهم أسما. يقول: إنما يسمي الناس ما يحتاجون إلى استعماله، ومع الإستغناء يسقط التكلّف.
وقد زعم ناس أن مما يدل على غش الفرس أنه ليس للنصيحة في لغتهم اسم واحد يجمع المعاني التي يقع عليها هذا الإسم.
وقول القائل: «نصيحة» ليس يراد به سلامة القلب، فقد يكون أن يكون الرجل سليم الصدر، ولم يحدث سبب من أجله يقصد الى المشورة عليك بالذي هو أردّ عليك، على حسب رأيه فيك، ووجه لنفعك. ففي لغتهم اسم للسلامة، واسم لإرادة الخير، وحسن المشورة، وحملك بالرأي على الصواب. فللنصيحة عندهم اسماء مختلفة، إذا اجتمعت