البخلاء للجاحظ (صفحة 238)

أظهر لأعدائك من مقاتلهم. وقالوا: «الفرار بقراب أكيس» ، وقال أبو الأسود: «ليس من العز أن تتعرّض للذلّ، ولا من الكرم أن تستدعي اللؤم» . ومن أخرج ماله من يده افتقر، ومن افتقر فلا بدّ له أن يضرع، والضرع «1» لؤم. وإن كان الجود شقيق الكرم، فالأنفة أولى بالكرم. وقد قال الأول: «اللهم لا تثر لي ماء سوء فأكون أمرأ سوء» . وقد قال الشاعر:

واخط مع الدهر إذا ما خطا ... واجر مع الدهر كما يجري

وقد قال الآخر:

يا ليت لي نعلين من جلد الضبع ... كل الحذاء يحتذي الحافي الوقع «2»

وقد صدق قول القائل: «من احتاج اغتفر، ومن اقتضى تجوّز «3» » ، وقيل لديسموس «4» : «تأكل في السوق» ؟ قال: «إن جاع ديسموس في السوق أكل في السوق» ، وقال: «من أجدب انتجع، ومن جاع خشع» ، وقال:

«احذروا نفار النعمة فإنها نوار. وليس كل شارد بمردود، ولا كل نادّ بمصرود «5» » وقال عليّ بن أبي طالب: «قلّ ما ادبر «6» شيء فاقبل» . وقالوا:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015