البخلاء للجاحظ (صفحة 235)

وقال: «خير الصدقة غنى، واليد العليا خير من اليد السفلى «1» ، وابدأ بمن تعول» ، وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «الثلث والثلث كثير. إنك إن تدع ولدك أغنياء خير من أن يتكفّفوا الناس» ، وقال ابن عبّاس «2» : «وددت أن الناس غضّوا من الثلث شيئا، لقول النبي عليه السلام: الثلث والثلث كثير» ، وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم:

«كفى بالمرء إثما يضيع من يقوت» . وأنتم ترون أن المجد والكرم إن أفقر نفسي بإغناء غيري، وأن أحوط عيال غيري بإضاعة عيالي. وقال في ذلك إبن هرمة:

كتاركة بيضها بالعراء ... وملبسة بيض أخرى جناحا «3»

وقال آخر:

كمفسد أدناه ومصلح غيره ... ولم يأتمر في ذاك أمر صلاح «4»

وقال الآخر:

كمرضعة أولاد أخرى، وضيّعت ... بنيها، ولم ترقع بذلك مرقعا «5»

وقال الله تبارك وتعالى: «ولا تبذّر تبذيرا، إن المبذّرين كانوا إخوان الشياطين» ، وقال: «ويسئلونك ماذا ينفقون قل العفو» فأذن في العفو، ولم يأذن في الجهد، وأذن في الفضول، ولم يأذن في الأصول. وأراد كعب بن مالك «6» أن يتصدّق بماله، فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أمسك عليك مالك» ، فالنبي صلّى الله عليه وسلّم يمنعه من إخراج ماله في الصدقة، وأنتم تأمرونه بإخراجه في السرف

طور بواسطة نورين ميديا © 2015