البخلاء للجاحظ (صفحة 208)

ولو كانوا لأولادهم يمهدون، ولهم يجمعون، لما جمع الخصيان الأموال، ولما كنز الرهبان الكنوز، ولا ستراح العاقر من ذلّ الرغبة، ولسلم العقيم «1» من كدّ الحرص. وكيف ونحن نجده بعد أن يموت ابنه الذي كان يعتلّ به، والذي من أجله كان يجمع، على حاله في الطلب والحرص، وعلى مثل ما كان عليه من الجمع والمنع.

والعامة لم تقصر في الطلب، والحكرة «2» والبخلاء لم يحدّوا شيئا من جهدهم، ولا أعفوا بعد قدرتهم، ولا قصرّوا في شيء من الحرص والحصر، لأنهم في دار قلعة، وبعرض نقلة «3» . حتّى لو كانوا بالخلود موقنين، لأغفلوا تلك الفضول. فالبخيل مجتهد، والعاميّ غير مقصّر. فمن لم يستعن على ما وصفنا، بطبيعة قوية، وبشهوة شديدة، وبنظر شاف، كان إما عامّيا، وإما شقيّا، فيقيم اعتلالهم بأولادهم، واحتجاجهم بخوف التلّون من أزمنتهم.

قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لوافد كذب عنده كذبة، وكان جوادا: «لولا خصلة ومقك «4» الله عليها، لشرّدت بك من وافد قوم» . وقيل للنبي صلّى الله عليه وسلّم: «هل لك في بيض النساء، وأدم»

الإبل» ؟ قال: «ومن هم» ؟ قيل: «بنو مدلج» «6» .

قال: «يمنعني من ذاك قراهم الضيف، وصلتهم الرحم» . وقال لهم أيضا:

«إذا نحروا ثجّوا «7» ، وإذا لبّوا عجّوا «8» » . وقال للأنصار: «من سيّدكم» ؟

قالوا: «جد «9» بن قيس، على أنه يزنّ «10» فينا ببخل» . فقال: «وأي داء أدوى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015