ولا يعجبني هذا الحرف الأخير، لأن الإفراط لا غاية له. وإنما نحكي ما كان في الناس، وما يجوز أن يكون فيهم مثله، أو حجة أو طريقة. فأما مثل هذا الحرف فليس مما نذكره. وأما سائر حديث هذا الرجل فإنه من هذه البابة.
قال ابن جهانة الثقفية: عجبت ممّن يمنع النبيذ طالبه، لأن النبيذ إنما يطلب ليوم فصد. أو يوم حجامة، أو يوم زيارة زائر، أو يوم أكل سمك طريّ، أو يوم شربة دواء. ولم نر أحدا طلبه وعنده نبيذ، ولا ليدّخره ويحتكره، ولا ليبيعه ويعقد منه. وهو شيء يحسن طلبه، وتحسن هبته، ويحسن موقعه. وهو في الأصل كثير رخيص. فما وجه منعه؟ ما يمنعه عندي إلا من لا حظّ له في أخلاق الكرام. وعلى أني لست أوجل «1» بما أهب منه على نبيذي النّقصان، لأني إذا احتجبت عن ندمائي، بقدر ما اخرجت من نبيذي، رجع إليّ نبيذي على حاله، وكنت قد تحمّدت بما لا يضرّني. فمن ترك التحمّد بما لا يضرّه كان من التحمّد بما يضرّه أبعد.
فذكر ابن جهانة ما له من الكرم بهبة نبيذه، ولم يذكر ما عليه بحجب ندمائه.
قال الأصمعي أو غيره: حمل بعض الناس مديني على برذون «2» ، فأقامه على الأريّ «3» . فانتبه من نومه فوجده يعتلف، ثم نام فانتبه فوجده