يدخلوا في السواقي، فيدخلوا أيديهم في جحرة الشلابي والرمان «1» . فإن أصبنا من السمك شيئا، جعله كبابا على نار الخبز تحت الطابق، حتى لا يحتاج من الحطب إلى كثير. فلا نزال منذ غدوة إلى الليل في كدّ وجوع انتظار. ثم لا يكون عشاؤنا إلا خبز أرزّ أسود غير منخول بالشلابي.
ولو قدر على غير ذلك فعل» .
قلت له: «فلم لا يتخذ موضع مرازّ «2» من بعض رقاق أرضه، فيبذر لكم الأرز ثم يكون الخيار في يده، إن أراد أن يعجّل عليكم الطعام أطعمكم الفرد، أو إن أحبّ أن يتأنّى ليطعمكم الجوهريّ» .
قال: والله لئن سمع هذا وسرفه ليتكلّفنّه. الله الله فينا، فإنا قوم مساكين، ولو قدرنا على شيء لم نحتمل هذا البلاء.
حدّثني المكّي قال: بتّ عند إسماعيل بن غزوان، وإنما بيّتني عنده حين علم أني تعشّيت عند مويس، وحملت معي قربة نبيذ، فلمّا مضى من الليل أكثره، وركبني النوم، جعلت فراشي البساط ومرفقتي يدي «3» .
وليس في البيت إلا مصلّى له، ومرفقة ومخدّة. فأخذ المخدّة فرمى بها إليّ، فأبيتها «4» ورددتها عليه، وأبي وأبيت. فقال: «سبحان الله! يكون أن تتوسّد مرفقك، وعندي فضل مخدّة» ؟ فأخذتها فوضعتها تحت خدّي.
فمنعني من النوم إنكاري للموضع، ويبس فراشي. وظنّ أني قد نمت، فجاء قليلا قليلا، حتى سلّ المخدّة من تحت رأسي. فلما رأيته قد مضى بها، ضحكت وقلت: «قد كنت عن هذا غنيا» ! قال: «إنّما جئت لأسوّي رأسك» .