قال: فنثروا عليها لبكة من دبس مقدار نصف أسيكرة، فوقعت ليلتئذ في فمي قطعة، وكنت إلى جنبه، فسمع صوتها حين مضغتها، فضرب يده على جنبي ثم قال: «أجرش «1» يا أبا كعب أجرش» . قلت:
«ويلك أما تتقي الله! كيف أجرش جزأ لا يتجزّأ» ؟
كان ابن العقدي ربما استزار أصحابه الى البستان، وكنت لا أظنه ممّن يحتمل قلبه ذلك على حال. فسألت ذات يوم بعض زوّاره فقلت:
«إحك لي أمركم» . قال: «وتستر عليّ» ؟ قلت: «نعم ما دمت بالبصرة» . قال: «يشتري لنا أرزّا بقشره ويحمله معه، ليس معه شيء ممّا خلق الله إلا ذلك الأرز. فإذا صرنا إلى أرضه، كلّف أكاره أن يجشّه في مجشّة «2» له، ثم ذرّاه «3» ، ثم غربله. ثم جشّ الواش «4» منه. فإذا فرغ من الشراء والحمل، ثم من الجشّ، ثم من التذرية، ثم من الإدارة والغربلة، ثم من جشّ الواش، ثم من تذريته، ثم إدارته وغربلته، كلّف الأكّار أن يطحنه على ثوره وفي رحاه «5» . فإذا طحنه كلّفه أن يغلي له الماء، وأن يحتطب له، ثم يكلّفه العجن، لأنه بالماء الحارّ أكثر نزلا.
ثم كلّف الأكّار أن يخبزه. وقبل ذلك ما قد كلّفهم أن ينصبوا له الشصوص «6» للسمك، ويسكروا الدرياجة «7» على صغار السمك لا