قال المكي: كان لأبي عم يقال له سليمان الكثري سمّي بذلك لكثرة ماله. وكان يقرّبني وأنا صبي إلى أن بلغت. ولم يهب لي مع ذلك التقريب شيئا قط. وكان قد جاوز في ذلك حد البخلاء. فدخلت عليه يوما، وإذا قدّامه قطع دار صيني لا تسوى قيراطا؛ فلما نال حاجته منها، مددت يدي لآخذ قطعة، فلما نظر إليّ قبضت يدي، فقال: «لا تنقبض وانبسط واسترسل وليحسن ظنك، فإن حالك عندي على ما تحب، فخذه كله، فهو لك بزوبره «1» ، وبحذافيره، وهو لك جميعا؛ نفسي بذلك سخيّة. والله يعلم أني مسرور بما وصل إليك من الخير» . فتركته بين يده، وقمت من عنده وجعلته وجهي، كما أنا، إلى العراق. فما رأيته وما رآني حتى مات.
وقال المكيّ: سمعني سليمان، وأنا أنشد شعر امرىء القيس: «2»
لنا غنم نسوقها غزار ... كأنّ قرون جلّتها العصيّ «3»
فتملأ بيتنا أقطا وسمنا ... وحسبك من غنى شبع وريّ «4»
قال: لو كان ذكر مع هذا شيئا من. الكسوة لكان جيدا.
وهو الذي قال ليحيى بن خالد، حين نقب في أبي قبيس، وزاد في داره:
عمدت الى شيخ الجبال فزعزعته وثلمت فيه.
وقال: حين عوتب في قلة الضحك وشدة القطوب: إن الذي يمنعني من الضحك أن الإنسان أقرب ما يكون من البذل إذا ضحك وطابت نفسه.