قال: وكان الغزال أعجوبة في البخل، وكان يجيء من منزله ومعه رغيف في كمه، فكان أكثر دهره يأكله بلا أدم، فإذا أعيا عليه الأمر أخذ من ساكنه جوّافة بحبّة «1» وأثبت عليها فلسا في حسابه. فإذا أراد أن يتغدّى أخذ الجوافة، فمسحها على وجه الرغيف، ثم عضّ عليه. وربما فتح بطن الجوافة فبّطن جنبيها وبطنها باللقمة بعد اللقمة. فإذا خاف أن ينهكها ذلك وينضم بطنها، طلب من ذلك السمّاك شيئا من ملح السمك. فحشا جوفها لينفخها، وليوهم أن هذا هو ملحها الذي ملّحت به. ولربما غلبت شهوته، فكدم «2» طرف أنفها، وأخذ من طرف الأرنبة ما يسيغ به لقمته. وكان ذلك منه لا يكون إلا في آخرها لقمة، ليطيب فمه بها، ثم يضعها في ناحية، فإذا اشترى من إمرأة غزلا أدخل تلك الجوافة في ثمن الغزل، من طريق إدخال العروض، وحسبها عليها بفلس. فيسترجع رأس المال، ويفضل الأدم.
وروى أصحابنا عن عبد الله بن المقفع، قال:
كان ابن جذام الشبي يجلس إليّ، وكان ربما انصرف معي إلى المنزل، فيتغدى معنا ويقيم إلى أن يبرد. وكنت أعرفه بشدة البخل وكثرة المال. فألحّ علي في الاستزارة «3» ، وصمّمت عليه في الإمتناع. فقال:
جعلت فداك أنت تظن أنّي ممن يتكلّف وأنت تشفق عليّ؟ لا والله إن هي إلا كسيرات «4» يابسة، وملح، وماء الحب. فظننت أنه يريد