الحياة فهذه سبيل الحياة، وإن كنت تحب الموت فلا يبعد الله إلا من ظلم» .
هذه كانت وصيته في يوم الرؤوس وحده. فلم يكن لعياله إلا التقمّم «1» ومصّ العظم.
وكان لا يشتري الرأس إلا في زيادة الشهر، لمكان زيادة الدماغ.
وكان لا يشتري إلا رأس فتى لوفارة الدماغ، لأن دماغ الفتى أوفر، ويكون مخه أنقص، ومخ المسن أوفر ودماغه أنقص.
ويزعمون أن للأهلّة والمحاق في الأدمغة والدماء عملا معروفا، وبينها في الربيع والخريف فضلا بينا. وتزعم الأعراب والعرب أن النطفة إذا وقعت في الرحم، في أول الهلال، خرج الولد قويا ضخما، وإذا كان في المحاق خرج ضئيلا شختا «2» . وأنشد قول الشاعر:
لقحت في الهلال عن قبل الطّهر ... وقد لاح للضياء بشير
ثم نمى ولم يراضع فلوّا «3» ... ورضاع المحجّ عيب كبير «4»
وكان أبو عبد الرحمن يشتري ذلك الرأس من جميع رأآسي بغداد، إلا من رأآسي مسجد ابن رغبان. وكان لا يشتريه إلا يوم سبت. واختلط عليه الأمر فيما بين الشتاء والصيف، فكان مرّة يشتريه في هذا الزمان.
وأما زهده في رؤوس مسجد ابن رغبان، فان البصريين يختارون لحم الماعز الخصيّ على الضأن كله، ورؤوس الضأن أشحم وألحم رخصا وأطيب. ورأس التيس أكثر لحما من رأس الخصيّ، لأن الخصيّ من الماعز يعرق جلده، ويقلّ لحم رأسه ولا يبلغ جلده وإن كان ما عزا في الثمن عشر ما يبلغ جلد التيس، ولا يكون رأسه إلا دونا. ولذلك تخطاه إلى غيره.