الطعام شيء طريف ولقمة كريمة ومضغة شهيّة، فإنما ذلك للشيخ المعظّم والصبي المدلّل، ولست واحدا منهما. فأنت قد تأتي الدعوات وتجيب الولائم، وتدخل منازل وعهدك باللحم قريب، وإخوانك أشدّ قرما «1» إليه منك. وأنا بعد أكره لك الموالاة «2» بين اللحم، فإن الله يبغض أهل البيت اللحمين. وكان عمر يقول: «إياكم وهذه المجازر، فإن لها ضراوة كضراوة الخمر «3» » . وكان يقول: «مدمن اللحم كمدمن الخمر» . وقال المسيح ورأى رجلا يأكل اللحم فقال: «لحم يأكل لحما، أفّ لهذا عملا» . وذكر هرم بن قطبة «4» اللحم، فقال: «وإنه ليقتل السباع» .
وقال المهلب «5» : «لحم وارد على غير قرم، هذا الموت الأحمر» . وقال الأول: «أهلك الرجال الأحمران: اللحم والخمر، وأهلك النساء الأحمران: الذهب والزعفران» .
أيّ بنيّ! عوّد نفسك الأثرة ومجاهدة الهوى والشهوة، ولا تنهش نهش الأفاعي ولا تخضم خضم البراذين «6» ، ولا تدم الأكل إدامة النعاج، ولا تلقم لقم «7» الجمال. قال أبو ذرّ، لمن بدّل من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تخضمون ونقضم والموعد لله» «8» . إنّ الله قد فضّلك فجعلك إنسانا، فلا تجعل نفسك بهيمة ولا سبعا «9» . واحذر سرعة الكظة «10»