الخوف، وبخسوا نصيب الرجاء، مع طول السلامة، وشمول العافية؟
والمعافى أكثر من المبتلى؛ وليست الفوائد أقل من الحوائج «1» .
بل كيف يدعو الى السعادة من خصّ نفسه بالشقوة، فكيف ينتحل نصيحة العامة، من بدأ بغشّ الخاصة؟ ولم احتجوا، مع شدة عقولهم، لما أجمعت الأمة على تقبيحه؟ ولم فخروا، مع اتساع معرفتهم، بما أطبقوا على تهجينه «2» ؟ وكيف يفطن عند الاعتلال له، ويتغلغل «3» عند الاحتجاج عنه، إلى الغايات عنه، الى الغايات البعيدة والمعاني اللطيفة، ولا يفطن لظاهر قبحه، وشناعة اسمه، وخمول ذكره وسوء أثره على أهله.
وكيف، وهو الذي يجمع له بين الكد، وقلة المرزئة «4» ، وبين السهر، وخشونة المضجع، وبين طول الاغتراب، وطول قلة الانتفاع، ومع علمه بأن وارثه أعدى له من عدّوه، وأنه أحقّ بماله من وليّه، أوليس هو أظهر الجهل والغباوة، وانتحل الغفلة والحماقة، ثم احتجّ لذلك بالمعاني الشداد، وبالألفاظ الحسان، وجودة الإختصار، وبتقريب المعنى، وبسهولة المخرج، وإصابة الموضع، فكان ما ظهر من معانيه وبيانه مكذّبا لما ظهر من جهله ونقصانه. ولم جاز أن يبصر بعقله البعيد الغامض، ويغبى عن القريب الجليل؟!.
وقلت: فبيّن لي ما الشيء الذي خبّل «5» عقولهم، وأفسد أذهانهم، وأغشى تلك الأبصار، ونقض ذلك الإعتدال؟ وما الشيء الذي له