تنقضي أيام الفاكهة وأنت على مثل إبتداء حالك وعلى أول مجاهدتك لشهوتك. ومتى لم تعدّ الشهوة فتنة والهوى عدوّا، اغتررت لهما وضعفت عنهما، وائتمنتهما على نفسك، وهما أحضر عدوّ وشرّ دخيل. فاضمنوا لي النزوة «1» الأولى، أضمن لكم تمام الصبر وعاقبة اليسر، وثبات العزّ في قلوبكم والغني في أعقابكم ودوام تعظيم الناس لكم. فإنه لو لم يكن من منفعة الغنى إلا أنك لا تزال معظّما عند من لم ينل منك قط درهما، لكان الفضل في ذلك بيّنا والربح ظاهرا. ولو يكن من بركة الثروة ومن منفعة اليسر، إلا أن رب المال الكثير لو أتصل بملك كبير، وفي جلسائه من هو أوجب حرمة، وأقدم صحبة وأصدق محبة، وأمتع إمتاعا، وأكثر فائدة وصوابا، إلا أنه خفيف الحال قليل ذات اليد، ثم أراد ذلك الملك أن يقسم مالا أو يوزّع بينهم طرفا «2» ، لجعل حظ الموسر «3» أكثر، وإن كان في كل شيء دون أصحابه، وحظ المخفّ أقل، وإن كان في كل شيء فوق أصحابه.
قد ذكرنا رسالة سهل بن هارون «4» ، ومذهب الحزامي، وقصص الكندّي، وأحاديث الحارثي، واحتجاجاتهم، وطرائف بخلهم، وبدائع حيلهم.
قلت لمحمد بن أبي المؤمل:
أراك تطعم الطعام وتتخذه، وتنفق المال وتجود به. وليس بين قلة