فاستحسنت الفقهاء، وتمنى الصالحون أن نغصّ من الثلث شيئا، لاستكثار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الثلث، ولقوله: «إنك إن تدع عيالك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس «1» » ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم يرحم عيالنا إلا بفضل رحمته لنا. فكيف تأمرونني أن أؤثر «2» أنفسكم على نفسي، وأقدّم عيالكم على عيالي، وأن أعتقد الثناء بدلا من الغنى، وأن أكنز الريح وأصطنع السراب «3» ، بدلا من الذهب والفضة» .
قال إسماعيل: وسمعته يقول لعياله وأصحابه:
«اصبروا عن الرّطب عند ابتدائه وأوائله، وعن باكورات الفاكهة.
فإن للنفس عند كل طارف «4» نزوة، وعند كل هاجم بدوة، «5» وللقادم حلاوة وفرحة، وللجديد بشاشة وغرّة. فإنك متى رددتها ارتدّت، ومتى ردعتها ارتدعت والنفس عزوف «6» ، ونفور ألوف، وما حمّلتها احتملت وإن أهملتها فسدت. فإن لم تكفّ جميع دواعيها وتحسم جميع خواطرها، في أول ردّة، صارت أقلّ عددا وأضعف قوة. فإذا أثر ذلك فيها، فعظها في تلك الباكورة بالغلاء والقلة. فإنّ ذكر الغلاء والقلة حجة صحيحة وعلة عاملة في الطبيعة. فإذا أجابتك في الباكورة فسمها مثل ذلك في أوائل كثرتها، واضرب نقصان الشهوة ونقصان قوة الغلبة، بمقدار ما حدث لها من الرخص والكثرة، فلست تلقى على هذا الحساب من معالجة الشهوة في غدك، إلا مثل ما لقيت منها في يومك، حتى