البخلاء للجاحظ (صفحة 114)

تعرض لأكثر مما أنكره. قال رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم: «الجار قبل الدار، والرفيق قبل الطريق» .

وزعمتم أن تسقّط الكراء أهون، إذا كان شيئا بعد شيء. وإن الشدائد إذا وقعت جملة، جاءت غامرة للقوة فأما إذا تقطّع وتفرّق، فليس يكترث لها إلا من تفقّدها وتذكّرها. ومال الشراء يخرج جملة، وثلمته «1» في المال واسعة، وطعنته نافذة. وليس كل خرق يرقع، ولا كل خارج يرجع. وأنه قد أمن من الحرق والغرق وميل أسطوان «2» وانقصاف سهم واسترخاء أساس وسقوط سترة وسوء جوار وحسد مشاكل، وأنه أما لا يزال في بلاء، وإما أن يكون متوقعا لبلاء. وقلتم: إن كان تاجرا فتصريف ثمن الدار في وجوه التجارات أربح، وتحويله في أصناف البياعات أكيس «3» . وإن لم يكن تاجرا، ففي ما وصفناه له ناه، وفيما عددنا له زاجر «4» . فلم تمنعكم حرمة المساكنة وحقّ المجاورة والحاجة الى السكنى وموافقة المنزل، إن أشرتم على الناس بترك الشراء. وفي كساد الدور فساد لأثمان الدور، وجرأة للمستأجر، واستحطاط «5» من الغلة، وخسران في أصل الماء. وزعمتم أنكم قد أحسنتم الينا حين حثثتم الناس على الكراء، لما في ذلك من الرخاء والنماء. فأنتم لم تريدوا نفعنا بترغيبهم في الكراء، بل إنما أردتم أن تضرّونا بتزهيدكم في الشراء.

وليس ينبغي أن يحكم عن كل قوم إلا بسبيلهم، وبالذي يغلب عليهم من أعمالهم.

فهذه الخصال المذمومة كلها فيكم، وكلها حجة عليكم، وكلها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015