ومن قرأ بالفتح فعلى حذف الجار، أي: ولأن الله مع المؤمنين، وقيل: الخطاب للمؤمنين، والمعنى: إن تستنصروا فقد جاءكم النصر، وإن تنتهوا عن التكاسل في القتال، والرغبة عما يختاره الرسول، فهو خير لكم، وإن تعودوا إليه نعد عليكم بالإنكار، أو تهييج العدو، ولن تغني، حينئذٍ، عنكم كثرتكم إذ لم يكن الله معكم بالنصر، فإنه مع الكاملين في إيمانهم. قاله البيضاوي.
الإشارة: إن تستفتحوا أيها المتوجهون، أي: تطلبوا الفتح من الله في معرفته، فقد جاءكم الفتح، حيث صح توجهكم وتركتم حظوظكم وعلائقكم، لأن البدايات مَجْلاَةُ النهايات، من وجد ثمرة عمله عاجلاً فهو علامة القبول آجلاً، وإن تنتهوا عن حظوظكم وعوائقكم فهو خير لكم، وبه يقرب فتْحُكُم، وإن تعودوا إليها نعد إليكم بالتأديب والإبعاد، ولن تغني عنكم جماعتكم شيئاً في دفع التأديب، أو البعد، ولو كثرت، وإن الله مع المؤمنين الكاملين في الإيمان بالنصر والرعاية.
ثم أمر بالسمع والطاعة، فقال:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (21)
يقول الحق جلّ جلاله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ فيما أمركم به ونهاكم عنه، وَرَسُولَهُ فيما ندبكم إليه، من الجهاد وغيره، وَلا تَوَلَّوْا أي: تُعرضوا عن الرسول وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ القرآن يأمركم بالتمسك به، والاقتداء بهديه. والمراد بالآية: النهي عن الإعراض عن الرسول. وذكرُ طاعة الله إما هو للتوطئة والتنبيه على أن طاعة الله في طاعة الرسول، لقوله: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ «1» ، ثم أكد النهي بقوله: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا بآذاننا، كالكفرة والمنافقين، ادَّعَوْا السماع، وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ سماعاً ينتفعون به، فكأنهم لا يسمعون رأساً.
الإشارة: لما غاب عليه الصلاة والسلام بقي خلفاؤه في الظاهر والباطن وهم العلماء الأتقياء، والعارفون الأصفياء. فمن تمسك بهم، واستمع لقولهم، فقد تمسك بالرسول صلّى الله عليه وسلّم، ومن أعرض عنهم فقد أعرض عنه صلّى الله عليه وسلّم، فمن تمسك بما جاءت به العلماء، فاز بالشريعة المحمدية، وكان من الناجين الفائزين. ومن تمسك بالأولياء العارفين، واستمع لهم، وتبع إرشادهم، فاز بالحقيقة الربانية، وكان من المقربين. ومن سمع منهم الوعظ والتذكير،