فهو اسم مفعول، ومن قرأه بالكسر فاسم فاعل، وصح معنى القراءتين، لأن الملائكة المنزلين يتبع بعضهم بعضاً، فمنهم تابعون ومتبوعون، ومن قرأ بالفتح فالمراد مردفين بالمؤمنين، فكانوا مقدمة الجيش، ومن قرأ بالكسر فالمراد مردفين للمؤمنين تابعين لهم، فكانوا ساقة للجيش.
ثم ذكر حكمة الإمداد بقوله: وَما جَعَلَهُ اللَّهُ أي: الإمداد، إِلَّا بُشْرى أي: بشارة بالنصر، وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ فيزول ما بها من الوجل لقلتكم، وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لا يتوقف على سبب، إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ لا يغلب، حَكِيمٌ في تدبير الأسباب وترتيبها رداء للقدرة الأزلية، فإمداد الملائكة، وكثرة العدد، والتأهب، وسائط، لا تأثير لها، فلا تحسبوا النصر منها، ولا تيأسوا منه بفقدها، فحكم الأزل جلّ أن يُضَافَ إلى العِلَلِ.
الإشارة: إظهار الفاقة والابتهال لا يقدح في صحة التوكل على الكبير المتعال، بل هو شرف للإنسان، وتقريب من الكريم المنان، بل من شأن العارف الكامل الرجوع إلى الله في كل شيء، والتعلق به في كل حال، ولو وعده بالنصر أو الإجابة، لا يقطع عنه السؤال، عبوديةً وتملقاً بين يدي الحبيب.
وقد اختلف الصوفية: أيّ الحالين أشرف: هل الدعاء والتضرع؟ أو السكوت والرضى تحت مجاري الأقدار؟ وقال بعضهم: يجب أن يكون العبد صاحب دعاء بلسانه، صاحب رضى بقلبه، ليجمع بين الأمرين. قال القشيري:
والأَوْلى أن يُقال: إن الأوقات مختلفة، ففي بعض الأحوال الدعاء أفضلُ، وفي بعض الأحوال السكوت أفضل، وإنما يُعرف ذلك في الوقت لأن علم الوقت يحصل في الوقت، فإذا وجد في قلبه إشارة إلى الدعاء فالدعاء منه أولى، وإذا وجد إشارة إلى السكوت فالسكوت أتم. هـ. وقد تقدم في آل عمران إشارة الإمداد «1» . وبالله التوفيق.
ثم ذكر تأمينهم، فقال:
إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ (11) إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ (12)