الإشارة: وعد الله المتوجهين إليه بالوصول إلى سر الخصوصية، وهي الولاية، لكن بعد المجاهدة والمحاربة للنفوس لأن الحضرة لا يدخلها إلا أهل التهذيب والتدريب، وترى كثيراً من الناس يتمنون أن تكون لهم من غير حرب ولا قتال، ويريد الله أن يحق الحق بكشف الحجب عن القلوب، حتى لا يشاهدوا إلا الحق، ويُبطل الباطل، وهو السَّوي، ولا يكون في العادة إلا بعد موت النفوس وتهذيبها وتطهيرها بالرياضة على شيخ عارف. قال الششتري مترجماً عن لسان الحقيقة:
إنْ تُرِدَ وَصْلَنَا فَمَوْتكَ شَرْطٌ ... لا يَنَالُ الوِصَالَ من فيه فضله
ثم ذكر إمدادهم بالملائكة، فقال:
إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10)
قلت: (إذ) : بدل من (إذ يعدكم) ، أو متعلق بقوله: (ليحق الحق) ، أو باذكر.
يقول الحق جلّ جلاله: واذكروا حين كنتم تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ وتدعون بالغوث والنصر، وذلك أن الصحابة- رضى الله عنهم- لمّا علموا ألاّ محيص لهم عن القتال أخذوا يقولون: ربنا انصرنا على عدوك، يا غياث المستغيثين أغثنا.
وعن عمر: رضى الله عنه (أنه صلّى الله عليه وسلّم نَظَرَ إلى المُشْرِكِينَ وهُمْ أَلفٌ، وإلى أَصْحَابِهِ وهُمْ ثَلاثُمائةٍ، فاسْتَقْبَلَ القِبْلَةِ ومدَّ يديهِ يدعوه: «اللهم أَنْجِزْ لي ما وَعدْتَنِي، اللهُم إن تهلك هذه العصابة لم تُعْبَد في الأرْضِ» ، فما زَالَ كَذَلِك َحتى سَقَطَ رِدَاؤُهُ، فقال أَبُو بكر: يا نبىّ الله، كَفَاكَ مُنَاشَدَتك رَبَّكَ، فإِنَّهُ سيُنْجِزُ لَكَ ما وَعَدَكَ) «1» . وقد تقدم أن الأنبياء وكبراء الأولياء لا يقفون مع ظاهر الوعد والوعيد، لسعة دائرة علمهم، بل لا يزول اضطرارهم، ولا يكون مع غير الله قرارهم، ولعل ذلك الوعد يكون متوقفاً على شروط أخفاها الحق تعالى لتظهر قهريته وانفراده بالعلم المحيط.
ولما استغاثوا بالله وأظهروا الحاجة إليه أجابهم فقال: فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ مقويكم ومكثركم بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ يتبع بعضهم بعضا، ويتبع المؤمنين، فكانوا خلفهم ردْءاً لهم، فمن قرأ بفتح الدال