ثم ذكر مقادير الأعمال ووزنها، فقال:
وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8) وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ (9)
قلت: (الوزن) : مبتدأ، و (يومئذٍ) : خبره، و (الحق) : صفته، أي: الوزن العدل حاصل يومئذٍ.
يقول الحق جلّ جلاله: وَالْوَزْنُ أي: وزن الأعمال، على نعت الحق والعدل، حاصل يوم القيامة، حين يسأل الرسل والمُرسل إليهم. والجمهور على أن صحائف الأعمال تُوزن بميزان له لسان وكفتان، ينظر إليه الخلائق إظهاراً للمعدلة وقطعًا للمعذرة، كما يسألهم عن أعمالهم، فتعترف بها ألسنتهم، وتشهد بها جوارحهم، ويؤيده ما رُوِي: «أن الرجل يُؤتى به إلى الميزان، فيُنشَر عليه تسعَةٌ وتِسعُونَ سِجلاًّ، كُلُّ سجلّ مد البصر، فتخرج لَهُ بطَاقة فِيهَا كَلِمةُ الشهَادِة، فَتُوضَعُ السِّجِلاَّتُ فِي كِفةٍ، والبطاقة في كفّة، فَتثقُل البطاقةُ، وتَطِيشُ السِّجلاَّتُ» «1» .
وقيل: توزن الأشخاص لما روى عنه صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «إنّهُ ليأتِي العَظِيمُ السَّمِينُ يَومَ القِيَامَة لا يَزنُ عندَ اللهِ تَعالى جَنَاحَ بَعُوضَةٍ» «2» . والتحقيق: أن المراد به الإهانة والتصغير، وأنه لا يساوي عند الله شيئًا لاتباعه الهوى.
ثم فصل في الأعمال فقال: فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ أي: حسناته، أو الميزان الذي يوزن به حسناته، وجمعه باعتبار اختلاف الموزونات وتعدد الوزن، فعلى الأول هو جمع موزون، وعلى الثاني جمع ميزان، فمن رجحت حسناته فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ الفائزون بالنجاة والثواب الدائم، وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بتضييع الفطرة السليمة التي فُطِروا عليها، واقتراف ما عرضها للهلاك، بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ حيث بدلوا التصديق بها بالتكذيب، والعمل فيها بالتفريط. نسأل الله تعالى الحفظ.
الإشارة: العمل الذي يثقل على النفس كله ثقيل في الميزان لأنه لا يَثْقُل عليها إلا ما كان حقًا، والعمل الذي يخف على النفس كله خفيف لأنه فيه نوع من الهوى إذ لا يخف عليها إلا ما لها فيه حظ وهوى. وفي الحكم: