بالأسرار، والذي يجب أن يستفتيه الإنسان إذا حار. سأل وابصة بن معبد رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن البر والإثم، فقال:

«يا وابصة استفت قلبلك، البر ما اطمأنت إليه النفس، واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في القلب وتردد فى الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك» (?) .

ذلك هو القلب المراد، وله لغته، كما أن للعقل لغته. وإذا كانت لغة العقل تدرك بالألفاظ، ويعبّر عنها بالكلمات، فلغة القلب تدرك بالذوق لأنه لا يحيط بالتعبير عنها اللفظ. ولنقرب إلى الفهم فلغة القلب مثل التفاحة.. فلن يستطيع من أكلها وأحس حلاوتها أن يترجم باللفظ أو يعبّر بالوصف لمن لم يأكلها قبل عن طعمها ومذاقها. وهكذا لا تدرك لغة القلب بوصف أو بلفظ، وإنما يدركها ذو قلب متذوق. ولذلك لا تحيط بالتعبير عن لغة القلب العبارة، وإنما يعبّر عنها بالإشارة. فالإشارة ترجمان لما يقع فى القلوب من تجليات ومشاهدات، وتلويح لما يفيض به الله على صفوته وأحبابه، من أسرار فى كلام الله وكلام رسوله.

ومن هنا كانت مذاقات الصوفية وأهل التحقيق فى قرآن الله الكريم وكلامه القديم.. وهم لا يرون أن تلك المذاقات وحدها هى المرادة، وإنما يأخذونها إشارات من الله لهم، بعد إقرار ما قاله أهل الظاهر من تفسير باعتباره أصل التشريع.

وجلى بعد ذلك أنه لا مجال لمعترض ممن ينكر عليهم مذاقاتهم، ويراها ميلا بكلام الله عن مجراه، ماداموا لا يأخذون بمذاقاتهم وحدها، وإنما يأخذون بها مع إقرارهم لتفسير أهل الشرع. فلا يعنينا من ذى جدل أن يقول عن هذه الإشارات: إنها إحالة لكلام الله عز وجل، وتغيير لسياقه ومجراه لأن ذلك يصدق لو قالوا: إنه لا معنى للآية إلا هذا، وهم لا يقولون ذلك، بل يقرون الظواهر على ظواهرها، ويفهمون عن الله ما أفهمهم.

وذلك مصداق الحديث الشريف: «لِكلِّ آيةٍ ظَاهرٌ وبَاطِنٌ وحدّ ومُطلع» (?) فالباطن لا يعارض الظاهر، والظاهر لا يعارض الباطن ... وذلك النهج بعيد كل البعد عما نادى به (الباطنية) من الأخذ بباطن القرآن لا ظاهره، وقصرهم معانى القرآن على ما ادعوه من تفسيراتهم دون غيره، لأنهم بذلك لا يقرون الشريعة ويبطلون العمل بها. وهم لا يخضعون دعواهم للنص القرآنى، بل يخضعون النص القرآنى لدعواهم.

وهنا يزول ما التبس على البعض من أن مذاقات الصوفية فى القرآن الكريم نزعة باطنية، فبينهم وبينها آماد وأبعاد، بل إنهم لبريئون منها، وينكرونها كل الإنكار، وواضح ذلك من أنهم يأخذون بالباطن بعد الأخذ بالظاهر،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015