العربية المحدثة، بناء على مدركات عقولهم البشرية. واللغة العربية من صنع المخلوق، وكلام المخلوق محدود لأنه يعبّر عن محدود، ومحال أن يحيط بالتعبير صنع المخلوق المحدود عن كلام الله وصفته، التي لا تحدها الحدود.
وإذا كان أساطين اللغة والأدب يرون أن اللغة العربية على كثرة مترادفاتها، وضخامة معاجمها، وغزارة ما تحتويه من ألفاظ، واحتشاد تراثها بالمجازات والكنايات، عاجزة عن التعبير عن مشاعر الإنسان وأحاسيس البشر، فإنها- والقياس غير جائز- لعن تحديد المراد من كلام الله وقرآنه أعيى وأعجز.
ومن هنا كان القرآن حمالا لوجوه عدة من المعاني، وكان أمرا طبيعيا ما يتجدد فيه كل يوم من فهوم، وستظل تلك المعاني تتجدد إلى ما شاء الله، وسيبقى القرآن معها كما هو، لا تبلى جدته، ولا يكشف عن حقيقة مراده.
وليس غريبا بعد ذلك أن يذهب المسلمون مذاهب شتى فى تأويله، فالمفسرون من علماء الشريعة يقفون عند ظاهر اللفظ، وما دل عليه الكلام من الأمر والنهي، والقصص والأخبار، والتوحيد وغير ذلك. وأهل التحقيق، أو الصوفية، يقرون تفسيرهم هذا، ويرونه الأصل الذي نزل فيه القرآن. ولكن لهم فى كلام الله- مع الأخذ بهذا التفسير الظاهري- مذاقات لا يمكنهم إغفالها لأنها بمثابة واردات، أو هواتف من الحق لهم.
فلا ينبغى أن نقف القرآن على تفسير معين على أنه المراد، فلا نقول كما يقول البعض: إن التفسير الظاهري وحده هو المقصود، كما لا يرى أهل التحقيق أن تفسيرهم وحده هو المراد، لأن القول بالتفسير الظاهري وحسب، تحديد (لكلام الله) غير المحدود، وإخضاع القرآن للغة التي مقياسها العقل المحدود، والوقوف فى تفسير كلام الله عند العقل المحدود عقال عن الانطلاق فيما وراء الغيوب، وإغلاق الباب لمذاقات ليس العقل مجالها، لأنها لا تخضع لمقاييسه وإنما تخضع لشىء آخر فوقه، وتدرك بلطيفة أخرى سواه.
إذن فهناك ما فوق العقل، ألا وهو القلب.
وليس المقصود بالقلب قطعة اللحم الصنوبرية، وإنما المراد به تلك اللطيفة النورانية الربانية.
إنه القلب الذي لا تحده الحدود، لأنه عرش استواء تجليات الرب على مملكة الجسم. قال رب العزة فى حديثه القدسي: «ما وسعني سمائى ولا أرضى ولكن وسعنى قلب عبدى المؤمن» (?) وهو القلب الذي اختصه الله