الله وهي الجذبة الرحمانية التي توازي عمل الثقلين. هـ. فحينئذ تصلح للدعاء إلى الله والتذكير به.
يقول الحق جلّ جلاله: {فَذَكِّرْ} الناسَ حسبما سَيّرناك له بما يُوحى إليك من الحق الهادي إلى الحق، واهدهم إلى ما فيه سعادتهم الأبدية، كما كنت تفعل، أي: دُم على تذكيرك. وتقييد التذكير لِمَا أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم طالما كان يُذَكرِّهم ويستفرغ جهده في وعظهم، حرصاً على إيمانهم، فما كان يزيد ذلك لبعضهم إلاَّ نفوراً، فأمر عليه السلام أن يخص الذكر بمظان النفع في الجملة، بأن يكون مَن يُذَكِّره ممن يُرجَى منه التذكُّر، ولا يتعب نفسه في تذكير مَن لا ينفعه ولا يزيده إلاّ عتوًّا ونفوراً، ممن طَبع اللهُ على قلبه، فهو كقوله: {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ} [قَ: 45] وقوله تعالى: {فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّىا عَن ذِكْرِنَا} [النجم: 29] وقيل المعنى: ذَكّر إن نفعت وإن لم تنفع، فحذف المقابل، كقوله: {تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [النحل: 81] ، واستبعده ابن جُزي؛ لأنَّ المقصود من الشرط استبعاد إسلامهم، كقوله: عظ زيد إن سمع منك، تريد: إن سماعه بعيد، ونسب هذا ابن عطية لبعض الحُذَّاق، قلت: الأَوْلى حمل الآية على ظاهرها، وأنه لا ينبغي الوعظ إلاّ لمَن تنفعه وتؤثر فيه، وأمّا مَن تحقّق عناده فلا يزيده إلاّ عناداً، والقرائن تكفي في ذلك.
{سَيَذَّكَّرُ مَن يخشى} ؛ سيتعظ ويقبل التذكرة مَن يخشى الله تعالى {ويَتجنَّبُها} أي: يتأخر عنها ولا يحضرها ولا يقبلها {الأشقى} الذي سبق له الشقاء، أو: أشقى الكفرة لتوغُّله في عداوة الرسول صلى الله عليه وسلم. قيل: نزلت في الوليد بن المغيرة وعتبة بن ربيعة. {الذي يَصْلَى النارَ الكبرى} أي: الطبقة السفلى من طبقات جهنم، وقيل: الكبرى نار جهنم، والصغرى: نار الدنيا، لقوله عليه السلام: " ناركم هذه جزء من سبعين جزء من نار جهنم "، {ثُمَّ لاَ يموتُ فِيهَا} حتى يستريح {ولا يحيا} حياة تنفعه، و " ثم " للتراخي في مراتب الشدة؛ لأنَّ التردُّد بين الموت والحياة أفظع من الصليِّ.
{
قد أفلحَ} أي: نجا من كل مكروه وظفر بكل ما يرجوه {مَن تَزَكَّى} أي: تطهّر من الكفر المعاصي بتذكيرك ووعظك، {وذَكَرَ اسمَ ربه} بقلبه ولسانه {فصَلَّى} ؛ أقام الصلوات الخمس، أو: أفلح مَن زكَّى ماله، وذكر الله في صلاته، كقوله: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ