إليك، فينسى ما شاء اللهُ إنساءه، ويبقى محفوظاً ما شاء إبقاءه، أو: يعلم جهرك بالقراءة مع قراءة جبريل مخافة التفلُّت، وما في نفسك مما يدعوك إلى الجهر، أو: ما تقرأ في نفسك مخافة النسيان، وما تجهر به، أو: يعلم ما أعلنتم وما أسررتم من أقوالكم وأفعالكم، وما ظهر وما بطن من أحوالكم. قال الورتجبي: السر والعلانية عنده تعالى سواء، إذا هو يبصرهما ببصره القديم، ويعلمهما بالعلم القديم، وليس في القِدم نقص، بحيث يتفاوت عنده الظاهر والباطن؛ إذ هناك الظاهر هو الباطن، والباطن هو الظاهر؛ لأنَّ الظاهر ظهر من ظاهريته، والباطن من باطنيته. هـ.
{
ونُيسّرك لليُسرى} ، معطوف على " سنقرئك " وما بينهما اعتراض، أي: ونوفّقك للطريقة التي هي أيسر وأسهل، وهي الشريعة السمحة التي هي أسهل الشرائع، أو: نوفّقك توفيقاً مستمراً للطريقة اليسرى في كل بابٍ من أبواب الدين، علماً وتعليماً، هداية واهتداءً، فيندرج فيه تلقي الوحي والإطاحة بما فيه من الأحكام التشريعية السمحة، والنواميس الإلهية، مما يتعلق بتكميل نفس صلى الله عليه وسلم وتكميل غيره، كما يفصح عنه قوله: {فذَكِّر..} الخ. وتخصيص التيسير به عليه السلام، مع أنه يسري إلى غيره، للإيذان بقوة تمكنه صلى الله عليه وسلم من اليسرى والتصرُّف فيها، بحيث صار ذلك ملكة راسخة له، كأنه عليه السلام جُبل عليها. قاله أبو السعود.
الإشارة: نزِّه ربك أن ترى معه غيره، وقدِّسه عن الحلول والاتحاد، قال القشيري: أي: سبِّح ربك بمعرفة أسمائه، واسبَح بسرّك في بحر عطائه، واستخرج من بواهر علوه وسناه ما ترفع به عند مدحه من ثنائه. هـ. قال الورتجبي: أي: نزِّه اسمه عن أن يكون له سميًّا، من العرش إلى الثرى، حتى يكون بقدس اسمه مقدساً عن رؤية الأغيار، ويصل بقدس اسمه إلى رؤية قدس الصفات، ثم إلى رؤية قدس الذات. هـ. (الأعلى) فوق كل شيء، والقريب دون كل شيء، فهو عليٌّ في قربه، قريب في علوه، ليس فوقه شيء، وليس دونه شيء، الذي خلق؛ أظهر الأشياءَ فسوَّى صورتها، وأتقن خلقها. والذي قدّر المراتب، فهدى إلى أسباب الوصول إليها، والذي أخرج المرعى، أي: ما ترعى في بهجته وحسن طلعته الأرواح من مظاهر الذات، وأنوار الصفات، فجعله غثاءً أحوى، فتلوّن من طلعة الجمال إلى قهرية الجلال. قال القشيري: أخرج المرعى: أي: المراتع الروحانية لأرباب الأرواح والأسرار والقلوب، لِيَرْعَوا فيها أعشاب المواهب الإلهية والعطايا اللاهوتية، وأخرج المراتع الجسمانية لأصحاب النفوس الأمَّارة والهوى المتبع، ليرتعوا فيها من كلأ اللذات الحيوانية الشهوانية. هـ. سنقرك: سنلهمك من العلوم والأسرار ما تعجز عنه العقول، فلا تنسى، إلاّ ما شاء اللهُ أن تنساه، إنه يعلم الجهر، أي: ما يصلح أن تجهر به من تلك العلوم، وما يخفى وما يجب إخفاءه عن غير أهله. ونُيسرك للطريقة اليُسرى، التي تُوصل إلى الحضرة الكبرى. قال القشيري: أي: طريق السلوك إلى