الهائل ما يقصر عنه الوصف، أو حذف اكتفاءً بما تقدّم في سورة التكوير والانفطار، أو ما دلّ عليه {فملاقيه} أي: إذا السماء انشقت لاقى الإنسان كدْحَهُ. والله تعالى أعلم.
الإشارة: إذا السماء، أي: سماء الأرواح انشقت عن ظلمة الأشباح انشقاق الفجر عن ظلمة الليل، فتغيب ظلمة الأشباح في نور عالَم الأرواح، فحينئذ تظهر حقائق الأشياء على ما كانت عليه في الحقيقة الأزلية، فينتفي الحدث ويبقى القِدم. قال الورتجبي: إذا أراد الله قلع الكون، يلقي على السموات والأرض أثقال هيبة عظمته وكبريائه، فتنشق السماء، وتمد الأرض من عكس تجلي عظمته وكبريائه، وحق لهما أن تتصدّعا، لِما عليهما من أثقال قهريات جبروته، حيث يشققهما، وهما طائعتان لربهما، وكيف لا تكون منهما طاعة، وهما في قبضة قهر جلاله أقل من خردلة، ألا ترى كيف قال صلى الله عليه وسلم: " الكونُ في يمين الرحمن أقلِّ من خَردلةٍ " وكذلك يتجلّى لسماء أرواح العارفين وأرض قلوب المحبين بنعت العظمة والكبرياء، فتنشق الأرواح وتزلزل القلوب من وقوع نور هيبته عليها، وبهذا الوصف وصف قلوب المقرّبين عند نزول خطاب الهيبة، قال الله تعالى: {حَتَّىا إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ ... } [سبأ: 23] الآية. قال بعضهم: خطاب الأمر إذا وقع على الهياكل فهي بين مطيع وعاصٍ، وخطاب الهيبة إذا وردت تفني وتُعجز الإقرار معه كقوله: {إذا السماء انشقت} وَرَدَ عليها صفةُ الهيبة فانشقت وأذِنَتْ لربها وأطاعت وانقادت، وحُق لها ذلك، وهو الذي أوجدها. هـ وإذا الأرض أرض البشرية مُدت، أي: بُسطت ولانت لأحكام الربوبية بالمجاهدة والرياضة، وألقت ما فيها من الخبائث والعيوب، وتخلّت عنها، وأذنت لربها في أحكام العبودية والعبادة، وحُقَّتْ بذلك؛ لأنَّ في ذلك شرفَها وعزَّها، وجواب " إذا " محذوف، أي: كان من الأسرار والأنوار والمعارف ما لا يدخل تحت دوائر العبارة، ولا تحيط به الإشارة.
يقول الحق جلّ جلاله: {يا أيها الإِنسانُ} خطاب الجنس {إِنك كادِحٌ إِلى ربك كَدْحاً فمُلاقِيهِ} أي: جاهدٌ جادٌّ في السير إلى ربك. فالكدح في اللغة: الجد والاجتهاد، أي: إنك في غاية الاجتهاد في السير إلى ربك، لأنَّ الزمان يطير طيراً وأنت في كل لحظة تقطع حظًّا من عمرك القصير، فإنك سائر مسرع إلى الموت، ثم تلاقي ربك. قال الطيبي عن الإمام: في الآية نكتة لطيفة، وهي: أنها تدل على انتهاء الكدح والتعب للمؤمن بانتهاء