حجاباً كما تقدّم، إلاّ فتنة لأهل الغفلة، الكافرين بوجود الخصوصية، اختباراً لمَن يقف معها، فتحجبه عن ربه، ولمَن يتخلّص منها، فينفذ إلى ربه، ليستيقن أهل العلم بالله حين يطَّهروا منها، ويزداد السائرون إيماناً بمجاهدتهم في التخلُّص منها، ولا يبقى في القلب ريب ولا وَهْم، وليقول الذين في قلوبهم مرض من ضعف اليقين: ماذا أراد الله بخلق هذه الأمراض في قلوب العباد؟ فيُقال: أراد بذلك إضلال قوم عن حضرته، بالوقوف مع تلك الحُجب، وهداية قوم، بالنفوذ عنها، وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ القاطعة عنه بقهره تعالى، والموصلة إليه برحمته، إلا هو. وقال الورتجبي: جنوده: عظمته وكبرياؤه وسلطانه وقهره، الذي صدرت منه جنود السموات والأرض، وله جنود قلوب العارفين، وأرواح الموحِّدين، وأنفاس المحبين، التي يستهلك بها كل جبّار عنيد، وكل قهّار عتيد. قيل: قال الله لمحمد صلى الله عليه وسلم: إنكم لا تقفون على المخلوقات، فكيف تقفون على الأسامي والصفات؟ !. هـ.
ثم حذَّر من سَقَر الحظوظ، والسقوط في مهاوي اللحوظ، وأقسم أنها من الدواهي الكُبَر لِمن ابتُلي بها، حتى سقط في الحضيض الأسفل من الناس، فمَن شاء فليتقدّم إلينا بالهروب منها، ومَن شاء فليتأخر بالسقوط فيها، والغرق في بحرها. والعياذ بالله.
يقول الحق جلّ جلاله: {كلُّ نفس بما كسبتْ رهينةٌ} أي: مرهونة، محبوسة عند الله تعالى بكسبها. ورهينة: فعلية، بمعنى مفعولة، وإنما دخلتها التاء، مع أن فعيلاً بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث، تقول: رجل جريح، وامرأة جريح؛ لأنها هنا لم تتبع موصوفاً اصطلاحياً، ومَن قال: إنَّ الخبر في معنى الصفة فهي تابعة له، جعل " رهينة " اسماً بمعنى الرهن، كالشتيمة بمعنى الشتم، وقيل: إنَّ التاء في رهينة للنقل مع الوصفية للاسمية، لا للتأنيث، كما في نصيحة وذبيحة. هـ. فكل واحد مرهون بذنبه.
{إِلاَّ أصحابَ اليمين} فإنهم فاكُّون رقابهم بما أحسنوا من أعمالهم، كما يفك