يذكروه بقلوبهم ولا بألسنتهم، {أولئك حزبُ الشيطان} أي: جنوده وأتباعه، {ألا إِنّ حزبَ الشيطان هم الخاسرون} أي: الموصوفون بالخسران الذي لا غياية وراءه، حيث فوّتوا على أنفسهم النعيم المقيم، وأخذوا بدله العذاب الأليم، وفي تصدير الجمة بحرفي التنبيه والتحقيق، وإظهار الشيطان معاً في موضع الإضمارِ، وتوسيط ضمير الفصل، من فنون التأكيد ما لا يخفى.
الإشارة: منافقون الصوفية هم الذين يُقرُّون أهلَ الظاهر وينصرونهم، ويُنكرون على أهل الباطن، فإذا لقوهم أظهروا لهم المودّة والوفاق، وادَّعوا أنهم منهم، فهم مذبذبون بين ذلك، لا إلى هؤلاء، ولا إلى هؤلاء، ليسوا من أهل الظاهر المحض، ولا من أهل الباطن، لعدم تحققهم به، تجر الآية ذيلَها عليهم. والعذاب المعدّ لهم غم الحجاب، وتخلُّفهم عن درجات المقربين. قوله تعالى: {اتخذوا أَيمانهم جُنة} قال القشيري: مَن استتر بحُجة طاعته لأجل دنياه؛ انكشف لسهام التقدير من حيث لا يشعر، ثم لا دينُه يبقى، ولا دنياه تَسْلَم. قال تعالى: {لن تُغني عنهم أموالُهم ولا أولادهم من الله شيئاً} الآية. هـ. يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعًا فيتحاشون إلى المقربين، ويحلفون بلسان حالهم: أنهم كانوا منهم، كما يحلفون اليوم، ويظنون أنهم من أهل الباطن، ويحسبون أنهم على شيء، فيبدوا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لم يكونوا يحتسبون، وذلك لعدم صُحبتهم للعارفين المخلِصين، حصل لهم الغلظ، فوقفوا مع حُسبانهم الضال، ولو دامت صُحبتُهم لأهل التوحيد الخاص لتنبّهوا لغلطهم. استحوذ عليهم الشيطانُ، فزيّن لهم الوقوفَ مع ما هم فيه، فأنساهم ذكرَ العيان، فكانوا من حزب الشيطان في الجملة، بالنسبة إلى مَن فوقهم. قال شاة الكرماني: علامة استحواذ الشيطان على العبد: أن يشغله بعمارة ظاهره، من المأكل والملبس، ويشغل قلبه عن التفكُّر في آلاء الله ونعمائه، والقيام بشكرها، ويشغل لسانه عن ذكر ربه، بالكذب والغيبة والبهتان، ويشغل قلبه عن التفكُّر والمراقبة بتدبير الدنيا وجمعها. هـ.
يقول الحق جلّ جلاله: {إِنّ الذين يُحادون اللهَ ورسولَه} أي: يخالفونهما، ويجعلون بينهم وبينهما حدّاً، وهم حزب الشيطان المتقدم، {أولئك في} جملة {الأذَلِّينَ} لا ترى أحداً أذلّ منهم من الأولين والآخرين؛ لأنّ ذِلة أحد المتخاصمين على قدر عزة الآخر، وحيث كانت عزة الله غير متناهية كانت ذلة مَن يُحاده كذلك. {كتب اللهُ} في اللوح وقضاه، وحيث جرى مجرى القسم أجيب بما يُجاب به، فقال: {لأغْلِبنَّ أنا ورسلي} بالحجة والسيف، أو بأحدهما، وهو تعليل لِما قبله من كون مَن حاد الله في